محمد فودة يكتب: فاروق حسنى.. "أيقونة" الثقافة المصرية
◄صاحب الإنجازات الكبرى والنقلة النوعية فى مجالات الإبداع المختلفة
◄المشروعات الحضارية والمواقع الثقافية التى تحققت فى عهده "شاهد عيان" على مرحلة الازدهار والتألق
◄مؤسسة فاروق حسنى للثقافة ترعى الموهوبين فى الفنون الرفيعة وتدعمهم ماديا ومعنويا وتقدمهم للعالم كله
◄يمثل قيمة كبرى وواجهة مشرفة فى كافة المحافل رفيعة المستوى فى العالم
◄لوح اته التشكيلية تعكس عبقريته.. ومعارضه السنوية يتعلم منها الآخرون
سيظل الفنان فاروق حسنى يمثل بالنسبة لى مصدراً مهماً للإلهام فكلما التقيته أغترف من خبرته الطويلة ، حيث تعلمت منه قوة الإرادة والعزيمة والقدرة على العطاء .. فقد عاصرته وعملت معه فى بداية التسعينيات ولمست عن قرب كيف كانت لديه رؤية مستقبلية حقيقية للعمل الثقافى ، حيث أصبحت أفكاره مع مرور الوقت واقعاً إيجابياً يلمسه الجميع .. فعلى سبيل المثال شاهدت فى البر الغربى بالأقصر كيف كانت الطرق المؤدية إلى البر الغربى لا تصلح للسير بأى شكل من الأشكال فتحولت بفكر وإبداع فاروق حسنى إلى بقعة مضيئة وصلت إلى الذروة بتحويل منطقة آثار البر الغربى بالكامل إلى بانوراما رائعة تتلألأ بالإضاءة الليلية مما يضع أيدينا على حقيقة مؤكدة هى أن هذا الرجل يمتلك رؤية مستقبلية غير مسبوقة وهو ما نلمسه أيضاً فى قدرته الفائقة على تحقيق الحلم بأن تصل الثقافة إلى القرى والنجوع والمناطق النائية التى لم تكن على الخريطة أصلاً ، فقد كان يرى أن الرسالة الحقيقية للعمل الثقافى هى الوصول إلى المواطن فى كل شبر على أرض مصر ، وفى نفس الوقت لم يغفل أبداً الدور التنويرى للثقافة فأصبحنا نرى منارات الفنون التشكيلية فى كل مكان وهو فن كان يعتبره البعض مجرد رفاهية وأنه فن الصفوة فحوله فاروق حسنى إلى فن حقيقى له جمهوره من كافة الطبقات الاجتماعية ، فظهر متحف الفن الحديث ومتحف محمد محمود مختار ومجمع الفنون ومجموعة كبيرة من المواقع الثقافية النوعية التى تحولت بالفعل إلى منارات ثقافية بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
لذا فإننى أعتبره بالفعل "أيقونة" الثقافة المصرية فهو صاحب الإنجازات الكبرى وصاحب النقلة النوعية فى وزارة الثقافة المصرية من خلال هذا الكم الكبير من المشروعات القومية غير المسبوقة التى ستظل علامات مضيئة فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر ، فهل يمكن أن ننسى هذا الجهد الهائل فى فك وتركيب معبد الأقصر بضخامة أحجاره وأحجام تماثيله فى عملية ترميم غير مسبوقة كانت محصلتها فى نهاية الأمر أن المعبد أصبح على هذا النحو من الروعة التى نراها الآن .
أما قمة الإبداع والعبقرية فى شخصية فاروق حسنى فهى التى تتجلى بوضوح فى مشروع المتحف المصرى الكبير الذى اكتمل وأصبح جاهزاً للافتتاح فى أى وقت فهو الذى حلم وفكر وقرر ونفذ ليصبح فى مصر أكبر متحف للآثار فى العالم ، ومن إنجازاته أيضاً المتحف القومى للحضارة الذى حينما فكر فيه ووضع حجر الأساس له كانت منطقة عين الصيرة لا تصلح لأى شيء بل كانت مجرد " مكان" أشبه بمقلب قمامة ، ولكن بعد اكتمال المشروع تحولت إلى منطقة عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. وهل يمكن أن ننسى له أيضاً مشروع تطوير القاهرة الفاطمية والذى تجلت روعته وعظمته فى تلك النقلة النوعية التى شهدها شارع المعز الذى تحول إلى قبلة لمحبى الحضارة الإسلامية من مختلف أنحاء العالم ؟ وهل يمكن لأحد أن يتجاهل متحف النوبة العالمى الذى ترعاه اليونسكو باعتباره المتحف النوعى الأوحد فى العالم ، ومتحف التحنيط بالأقصر .. ومشروعات ترميم المواقع الأثرية فى جميع المحافظات؟ والحق يقال فإنه بعيداً عن كونه أحد أهم وزراء الثقافة فى مصر وصاحب تلك الإنجازات غير المسبوقة ، فقد كان ومازال وسيظل بالنسبة لى هو الأستاذ والمعلم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وعلى الرغم من أن الفنان فاروق حسنى ظل وزيرًا للثقافة لمدة ٢٣ عامًا .. فإنه منذ اليوم الأول لتوليه هذا المنصب حافظ على مساحة الفنان بداخله، بل إنه كان يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير بتأكيده لنفسه دائمًا أنه فى مهمة للحفاظ على تراث وحضارة مصر، وكان يردد دائمًا أنه لم يولد ليكون وزيرًا، بل ولد لكى يكون فنانًا، فالمنصب بطبيعته زائل ومؤقت أما الفن فمستمر ودائم، لذلك شكلت لوحاته بصمة خاصة فى الحركة التشكيلية المصرية والعالمية، فبعد أن ترك كرسى الوزارة فى أعقاب يناير ٢٠١١ وتعاقب الوزراء على هذا الكرسى، وبعد أن أصبحت الوزارة وزارتين واحدة للثقافة وأخرى للآثار، بدأ الكثيرون إعادة النظر مجددًا فى قيمة فنان بحجم ومكانة فاروق حسنى، حيث إنه لم يكن مجرد وزير شغل المنصب لأداء مهمة وظيفية، كما أنه لم يكن فنانًا يجرى وراء الشهرة والنجومية فحسب، ولم يكن واجهة مشرفة فقط، بل كان يمثل قيمة دولية وواجهة جديرة بالاحترام لمصر فى كل المحافل الدولية رفيعة المستوى، كما كان، ولا يزال، مصدرًا للتنوير، فاسمه ارتبط فى الأذهان بعدد كبير من الأزمات التى تعرض لها بسبب استنارته وأفكاره ورؤاه، التى لم يكن أحد يجرؤ على البوح بها أو حتى التفكير فى الاقتراب منها، باعتبارها مناطق ملغومة وممنوع الاقتراب منها كونها قابلة للانفجار فى أى وقت.
وإحقاقا للحق فإن الفنان فاروق حسنى إنسان مصرى يعرف قيمة الإنسانية التى تتجلى فى أبهى صورها فى الفن ويعرف قيمة التاريخ الذى صنع الحضارة فهو فنان كبير وبداخله بركان من الأحاسيس التى تظهر فى لوحاته ولأن كل فنان تنعكس عليه بيئته خاصة فى المراحل الأولى التى تسهم فى تكوين شخصيته الفنية، فإن فاروق حسنى يتعمد دائمًا تجسيد البحر وعلى وجه الخصوص اللون الأزرق فى جميع لوحاته كونه من مواليد الإسكندرية وهى مدينة ساحلية وتتميز بوجود ثقافات متنوعة وفى الفترة من منتصف القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن العشرين كانت مدينة فنية بامتياز فكان البحر هو المحاور الأول فى طفولته وشبابه وكانت هناك تساؤلات عديدة عن السفن القادمة من بعيد وعن الضفة الأخرى من البحر حيث أوروبا فحفرت بداخله رغبة ملحة فى السفر واكتشاف ما وراء هذا البحر وأمواجه العاتية فدفعه هذا الشعور نحو دراسة اللغة والثقافة الفرنسية مما شجعه على خوض تجربة السفر وبالفعل سافر وخاض التجربة التى كانت بالنسبة له أقرب لميلاد جديد. ولأن فاروق حسنى فنان مدهش ومبدع شغوف بالفن، فقد دشن مؤسسته الثقافية، منذ عام 2019، بمنطقة الزمالك، وحصلت مؤسسة فاروق حسنى للثقافة والفنون، على التصديق الرسمى من وزارة التضامن الاجتماعى؛ تمهيدا لبدء نشاطها الفنى والثقافى اعتبارا من هذا الإشهار، وقد حملت المؤسسة رقم إشهار هو 872 لسنة 2019، وتهتم المؤسسة بجميع فروع الإبداع وجميع مكونات الثقافة وفق مفهوم يؤكد أن الثقافة قادرة على استيعاب كل الممارسات الإبداعية للإنسان كما أنها قادرة على تنمية إنسانيته، والمؤسسة مستقلة تماما سواء من الناحية المالية أو الإدارية وتوجهاتها لا تحيد عن التوجهات الوطنية الثقافية الخالصة، كما أنها تحاول أن تخلق مجالا جذابا للشباب كما تحاول الإسهام فى دعم أصحاب الطاقات الإبداعية الخلاقة والمواهب الأصيلة، حيث ساهمت الجائزة على مدار دوراتها الماضية فى اكتشاف العديد من المواهب الشبابية، باعتبارها أحد الكيانات الجادة والمهمة فى مجال المشاركات المجتمعية بهدف الإسهام فى بناء الإنسان وإثراء ساحة الإبداع المصرى من خلال العمل على جذب الشباب ودعم وتشجيع أصحاب الطاقات للتعبير عن أنفسهم، وتحفيز الواعدين منهم لبذل مزيد من الجهد سعياً للتفوق وإثبات الذات، وتحرص المؤسسة على استيعاب مختلف الممارسات الإبداعية الخلاقة وتنميتها. وينتظر الوسط الثقافى فى شهر مارس المقبل إقامة حفل توزيع جوائز الفنون الدورة الرابعة لعام 2023 التى تنظمها مؤسسة فاروق حسنى فى أفرع (التصوير - النحت - العمارة -النقد الفنى التشكيلى - التصوير الفوتوغرافى) وافتتاح المعرض الجماعى للشباب وذلك تحت رعاية وزارة الثقافة، حيث انتهت جميع لجان التحكيم من الاطلاع والتصويت على الأعمال الفنية والمشاريع المعمارية والأبحاث النقدية المؤهلة للمعرض الجماعى والمرشحة لجوائز الفنون الدورة الرابعة، وتقدم لهذه الدورة 1850 عملاً فنيًا ومعماريًا وبحثًا نقديًا من 1056 فناناً ومعمارياً وناقداً فنياً من جميع محافظات مصر وتصل قيمة الجوائز إلى نصف مليون جنيه مصرى، وقد تقدم لهذه الدورة 1056 فنانًا ومعماريًا وناقدًا تشكيليًا بـ1850 عملاً فنياً ومعمارياً وبحثاً نقدياً فى خمسة أفرع (التصوير "الرسم" - النحت - النقد الفنى التشكيلى - العمارة - التصوير الفوتوغرافى)، وجائزة التصوير "الرسم" تقدم لها 546 متسابقا بعدد 1092 عملا فنيا بزيادة 31% عن الدورة السابقة، وتبلغ قيمة الجائزة 100 ألف جنيه مصرى" (الجائزة الأولى 50 ألف جنيه ودرع التكريم – الجائزة الثانية 30 ألف جنيه – الجائزة الثالثة 20 ألف جنيه"، وجائزة العمارة تقدم لها 72 متسابقًا بعدد 32 مشروعًا معماريًا بزيادة 11% عن الدورة السابقة، وتبلغ قيمة الجائزة 100 ألف جنيه مصرى (الجائزة الأولى 50 ألف جنيه ودرع التكريم – الجائزة الثانية 30 ألف جنيه – الجائزة الثالثة 20 ألف جنيه، وجائزة النحت تقدم لها 154 متسابقا بعدد 191 عملا فنيًا بزيادة 102 % عن الدورة السابقة، وتبلغ قيمة الجائزة 100 ألف جنيه مصرى " (الجائزة الأولى 50 ألف جنيه ودرع التكريم – الجائزة الثانية 30 ألف جنيه – الجائزة الثالثة 20 ألف جنيه، وجائزة النقد الفنى التشكيلى، تقدم للجائزة 21 متسابقا بعدد 21 دراسة نقدية بزيادة 23 % عن الدورة السابقة ، وتبلغ قيمة الجائزة 60 ألف جنيه مصرى " (الجائزة الأولى 30 ألف جنيه" ودرع التكريم – الجائزة الثانية 20 " ألف جنيه " – الجائزة الثالثة 10 آلاف جنيه"، وجائزة التصوير الفوتوغرافى وتقدم للجائزة 263 متسابقا بعدد 514 عملا فنيا بزيادة 52% عن الدورة السابقة، تبلغ قيمة الجائزة 100 ألف جنيه مصرى " (الجائزة الأولى 50 ألف جنيه " ودرع التكريم – الجائزة الثانية 30 ألف جنيه – الجائزة الثالثة 20 ألف جنيه. خلاصة القول إن فن فاروق حسنى ظهر ليبقى وليستمر وليظل باعتباره أحد أهم وأبرز ملامح الحركة التشكيلية، ليس فى مصر فحسب، بل فى العالم أيضًا، وهو الذى أصبح واقعًا ملموسًا بالفعل، لأن اسم فاروق حسنى يذكر على الفور حينما يتعلق الأمر بحركة الفن التشكيلى التجريدى فى العالم.