الإثنين 16 سبتمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

الرضا.. مفتاح السعادة فى الحياة

الكاتب والإعلامى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشفية

- تجارب الحياة تجعل الإنسان يبحث طوال الوقت عن السعادة.. رغم أن الطريق إليها سهل 

- علمنا أهلنا أن الرضا بما قسمه الله يبعدنا عن القلق والتوتر والحيرة.. فلماذا لا نتمسك به؟! 

- إذا أردتم حلا لمشاكلنا جميعا.. فليس علينا إلا أن نتمسك بديننا وبقيمنا التى تغنينا عن كل شيء 

خلال سنوات عمرى عبرت تجارب كثيرة، بعضها كان صعبا وثقيلا، وبعضها الآخر كان خفيفا، وكنت طوال الوقت على ثقة بأن الله يقف إلى جانبى، يخفف عنى الصعب، ويمنحنى القدرة على التحمل، ويهدينى التجارب الخفيفة لتكون واحة أستريح فيها من الأعباء التى تحيط بى. 

عرفت فى مشوار حياتى كثيرين، ولم يتبق إلى جوارى إلا القليل، هؤلاء الأصدقاء الذين تتجدد ثقتى فيهم دائما، فأن يمنحك الله صديقا مخلصا بالدنيا وما فيها، فنحن نبحث طوال الوقت عمن يقفون إلى جوارنا، ومن يشعروننا بالأمان فى الحياة، هؤلاء الذين يقفون إلى جوارنا فى شدائدنا دون انتظار لمقابل، هم فقط موجودون إلى جوارنا لأنهم يحبوننا ونحبهم. 

سافرت كثيرا، وطفت بعدد كبير من بلاد الله، رأيت بشرا من مختلف الجنسيات، ولم أرتح أبدا إلا فى مكانين، عندما أكون فى رحاب الله بالبيت الحرام وإلى جوار النبى صلى الله عليه وسلم وأنا فى المدينة المنورة، والمكان الثانى الذى هو مستودع راحتى كلها وأمنى واستقرارى وهو مصر البلد الذى ولدت وأعيش فيه، ولا يمكن أن يكون هناك مكان آخر يمكن أن أجد فيه عوضا عما رأيت وعشت. 

كثيرون من حولى أراهم يضيقون بما يمرون به من صعاب ومشاكل، ويصل الأمر بهم إلى مرحلة اليأس من كل شيء، ورغم أننى ألتمس الأعذار لبعضهم، فإننى أعاتبهم طوال الوقت، لأن الله منحنا ما يجعلنا نرضى طوال الوقت بما قسمه لنا.

خلال التجارب الكثيرة التى مررت بها، وعندما يسألنى أحد عن سر السعادة فى الحياة، أقول له بلا تردد، مفتاح السعادة الأكبر فى حياتى هو الرضا. 

الرضا فى حقيقته كنز كبير لا يمكننا أن نملك كنزا غيره. 

وأنا أحدثكم عن الرضا لا أتحدث عن دروشة ولا تسليم دون عمل. 

فما يجب علينا جميعا هو أن نعمل ونجتهد ونبذل كل ما نستطيعه، نؤدى الواجب الذى علينا، والنتائج بعد ذلك نتركها لله، الذى لا يقدم لنا إلا الخير طوال الوقت، فلا شيء يأتى من الله إلا الخير بكل المعانى، وأحيانا نجد أن شرا يحيط بنا فنيأس ونحبط ونكتئب، فنعتقد أن الله يريد بنا الشر، لكن عندما نفكر قليلا، نجد أن باب الله لا يمكن أن يفتح علينا إلا بالخير والخير فقط،وهو ما يجعلنا لابد أن نرضى، لأننا لا نعرف ما يمكن أن يدخره لنا. 

إن الإنسان فى الحياة الآن يعانى من صعاب كثيرة، نعانى جميعا من حالة زحام تحيط بنا من كل مكان، أصبحت هناك أخلاقيات كثيرة لا يمكن أن يقرها أو يرضى عنها أحد، أصبحنا محاطين بقيم غريبة علينا، وعندما نتصفح المواقع الإلكترونية وصفحات الحوادث فى صحفنا، سنجد أننا نعيش فى عالم صعب، وهنا لا أتحدث عنا فى مصر فقط، ولكن فى دول العالم جميعا.

 

ما نقرأه ونسمعه ونشاهده كل ليلة يحتاج منا جميعا إلى  وقفة تأمل، وقفة نفكر فيها، نحاول أن نفهم ما يدور حولنا، فالفهم هو الطريقة الوحيدة التى يمكن أن تساعدنا على أن نعيش. 

إننى أستمع طوال الوقت لمن يحاولون البحث عن حلول لما نعانى منه، تعقد الندوات والمؤتمرات والبرامج الحوارية والنقاشات التى لا تنتهى، فقط من أجل أن يجدوا طريقا نسير فيه، يكون فيه صلاح الإنسان، وفى الغالب لا يصل هؤلاء إلى شيء حقيقى أو ملموس يمكن أن يفيدنا. 

عندما أتأمل ما يحدث أجد أن الحل سهل وبسيط، ولا يحتاج منا إلا أن نصارح أنفسنا أولا بما يحدث من حولنا، نعترف بأخطائنا، وما ارتكبناه فى حق أنفسنا وحق المجتمع من حولنا، ثم بعد ذلك نبحث فى أنفسنا عن حلول، لأن الحل من داخلنا، ولا يعتقد أحد أن هناك حلولا خارجية، لأن من يقدمون الحلول من الخارج لا يعرفون ما الذى نحتاجه، ولا ما يمكن أن يصلح لنا. 

إننا نمتلك دينا عظيما، دينا إنسانيا رائعا وراقيا وإنسانيا، ولو اعتصمنا به سنحد فيه السعادة الكاملة، إننا غفلنا عن قيم ديننا الحقيقية، ولذلك كان من الطبيعى أن نتوه ونفقد البوصلة ونبتعد عن الطريق الصحيح، ولو عدنا إلى ديننا من جديد، سنجد حلا لكل مشاكلنا مرة واحدة، لا نجد عناء ولا تعبا ولا إرهاقا، والمهم أن نخلص فى تمكسنا بقيم ديننا التى جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد جاء برسالته الراقية العظيمة السامية من أجل الإنسان، ومن أجل سعادته ورقيه، وأتعجب ممن يبحثون عن حلول أو فلسفة أو إستراتيجية لبناء الإنسان وفى نفس الوقت لا يلتفتون لما جاء فى ديننا الحنيف، اتركوا أنفسكم فقط لتعاليمه وأحكامه وأخلاقياته وقيمه، وستجدون أن كل شيء أصبح سهلا وميسورا. 

إلى جانب ديننا الحنيف وما فيه من قيم وأخلاقيات، فإن لدينا تراثا عظيما من قيم المجتمع وأخلاقياته، وتراثنا يزخر بالعديد مما يمكننا أن نعتمد عليه فى التصدى لتحديات الحياة المعاصرة التى أصبحت كبيرة ومعقدة ومتشعبة، ولو تمكسنا بقيمنا وما تربينا عليه، فمن المؤكد أننا سنخرج من المأزق الإنسانى الذى نواجهه ويحيطنا به الجميع من كل اتجاه. 

إننى لا أطلب شيئا كبيرا ولا عسيرا، ولا يعتقد أحد أننى أتحدث من فراغ، فورائى تجربة عريضة تعلمت خلالها الكثير، فالمهم أن يعرف كل منا طريقه والسبيل الذى يجب أن يسير فيه، ففى اللحظة التى تعرف فيها ما يجب عليك فعله وتقوم به بالطبع لا يمكن أبدا أن تخطئ الطريق أو تتوه فى مسارات لست مستعدا لها ولا مؤهلا للخوض فيها. 

الشاعر الكبير سيد حجاب يقول " أهلك يا تهلك"... وكم كان عظيما وهو يقول ذلك، فعندما تجد نفسك تائها، فلابد أن تتمسك بما تربيت عليه، وما نشأت عليه فى بيت أهلك، لأن الاعتصام بذلك هو ما يستطيع أن ينجيك ويخرجك من كل وأى ورطة يمكن أن تجد نفسك فيها، ولو بحثت عن طرق أخرى فإنك من المؤكد ستضل الطريق ولن تصل إلى الهدف الذى وضعته لنفسك.

 

عندما أعود بالذاكرة إلى قيم أهلنا الطيبين الذين أصروا على تربيتنا عليها، سنجد أن لدينا كنزا لابد أن نتمسك به ونحيط أنفسنا بما يمثله من قدرة على التعايش مع الحياة، فقد تربينا فى بيوت أهلنا على القيم الإنسانية الراقية التى لا يمكن أن يرقى إليها أى شك ولا يمكن أن تنهار فى مواجهة التحديات المعاصرة.

وأجدنى أعود مرة أخرى إلى القيمة الكبرى التى تحدثت عنها، وهى قيمة الرضا فى حياتنا، والتى لا يمكن أن نعيش بدونها، فقد تربينا فى بيوت أهلنا على هذه القيمة الكبيرة، فرغم أنهم كانوا بسطاء ولا يملكون الكثير فإنهم كانوا يرضون بالقليل الذى قسمه الله لهم، لم نر منهم أبدا تمردا ولا تبرما، ولكنهم كانوا يعيشون بما لديهم. 

عاش أهلنا الكرام والبسمة لا تفارقهم، وملامح الرضا بادية عليهم، وكان هذا هو سر حياتهم، وسر سعادتهم، ولا يمكن أن نعيش سعداء أبدا إلا إذا تمسكنا بهذه القيمة الكبيرة، فالرضا هو ما يقربنا إلى الله ، ويجعلنا نعيش فى هدوء بعيدا عن القلق والتوتر والحيرة وكل الأمراض النفسية التى أصبحت تغزونا. 

إن هذه تجربة حياتى أقدمها لكم وهى: أن الرضا هو سر السعادة فتمسكوا به حتى آخر يوم من حياتكم. 

الصفحة السابعة من العدد رقم 375 الصادر بتاريخ 22 أغسطس2024
 
تم نسخ الرابط