الخميس 06 مارس 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

سعاد كفافي رسالة لا تنتهي.. فهي حاضرة في كل إنجاز

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا.. منارة تحمل روح سعاد كفافي

- قاهرة المستحيل.. لم ترحل  بل تُزهر في كل حلم يتحقق

- أراها في كل خطوة.. وفي كل نجاح تبتسم بفخر

- وصية سعاد كفافي لا تُنسى.. الحلم مستمر والعهد باقٍ

- الإرث ليس مجرد مؤسسة.. بل رسالة تضيء العقول

- العلم هو البقاء.. وسعاد كفافي باقية في كل طالب يحمل رسالتها

- رحلت أيقونة التعليم بجسدها.. لكنها باقية في كل زاوية من هذا الصرح

تمر الأعوام، لكنها لا تمحو الأثر.. يغيب الجسد، لكن الروح تبقى نابضة في كل زاوية، حاضرة في كل خطوة، تهمس لنا بأن الحلم لا يموت، وأن الرسالة التي حملتها يومًا تظل أمانة في أعناقنا، نحملها بكل الحب والعرفان والوفاء.

اليوم، أعود بذاكرتي إلى سيدة لم تكن مجرد أم، بل كانت قدوة، ملهمة، أيقونة للإصرار والعمل والإنجاز. كانت الراحلة العظيمة سعاد كفافي نموذجًا فريدًا للمرأة التي لم تعرف المستحيل، والتي آمنت بأن العلم هو السبيل إلى رفعة الإنسان والمجتمع. لم تكن حياتها مجرد رحلة عابرة، بل كانت قصة كفاح، كتبها الزمن بحروف من نور، وستظل محفورة في وجدان كل من عرفها أو تتلمذ على يدها أو تأثر برسالتها.

لا أستطيع الحديث عن والدتي دون أن أتذكر شغفها الذي لم يكن له حدود.. كانت امرأة صنعت نفسها بنفسها، لم تنتظر الفرص، بل خلقتها، لم ترضَ بالسهل، بل سعت دائمًا إلى الأصعب، لأنها كانت تؤمن بأن القيمة الحقيقية للحياة تكمن في السعي المستمر والتطور الدائم.

رأيتها وهي تعمل لساعات طويلة، بلا كلل أو ملل، تخطط وتؤسس وتبني، وكأنها كانت تتسابق مع الزمن، وكأنها كانت تعلم أن رسالتها يجب أن تكتمل قبل أن ترحل. لم تكن تؤمن بالحدود، كانت ترى أن التعليم هو الجسر الوحيد الذي يربط الإنسان بالمستقبل، وأنه ليس مجرد تلقين للمعرفة، بل صناعة للحياة، وتأسيس لأجيال قادرة على البناء والإبداع.

كم من مرة جلست معها أستمع إلى أحلامها وأفكارها.. كم من مرة رأيت في عينيها بريق التحدي.. لم تكن ترى الصعوبات، بل كانت ترى الفرص، لم تكن تتحدث عن المشاكل، بل كانت دائمًا تبحث عن الحلول. كانت تفكر في كل تفصيلة، ليس فقط من أجل تحقيق أهدافها الشخصية، بل لأنها كانت تؤمن بأن بناء المستقبل لا يتحقق إلا بالعمل الجاد والمثابرة، وكانت تحمل على عاتقها مسئولية نشر هذا الفكر وترسيخه في نفوس كل من حولها.

رحلت أمي، وتركت خلفها إرثًا أعظم من كل شىء.. تركت حلمًا يتجدد في كل يوم، تركت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، هذا الصرح الذي لم يكن مجرد مبنى أو مؤسسة، بل كان رؤيتها.. كان امتدادًا لحلمها في أن تكون منارة للعلم، مصدرًا للإشعاع الفكري والثقافي، ومكانًا يخرج أجيالًا تحمل في قلوبها الشغف والإبداع.

لم يكن تأسيس الجامعة مجرد مشروع أكاديمي، بل كان بمثابة رسالة، رسالة تؤمن بأن العلم هو الحل لكل الأزمات، وأن بناء الإنسان هو البداية الحقيقية لبناء المجتمعات. كانت والدتي ترى في كل طالب يلتحق بالجامعة حلمًا جديدًا يتحقق، ومستقبلًا جديدًا يولد. كانت تشرف بنفسها على كل مرحلة من مراحل الإنشاء والتطوير، لم تكن تقبل إلا بالتميز، ولم تكن ترضى إلا بأعلى مستويات الجودة، لأنها كانت ترى أن المسئولية أكبر من مجرد تأسيس جامعة، بل بناء أجيال قادرة على إحداث الفارق في المستقبل.

لم يكن الفقد سهلًا، لكني تعلمت منها أن الرحيل لا يعني الغياب.. فهي حاضرة في كل إنجاز، حاضرة في عيون طلاب الجامعة وهم يحققون أحلامهم، حاضرة في قاعات المحاضرات، في المختبرات، في كل إنجاز أكاديمي، في كل حلم يزهر على أرض الواقع. لم تكن الجامعة مجرد حلم شخصي لها، بل كانت هدية أرادت أن تتركها لهذا الوطن، ليبقى العلم مشعلًا مضيئًا للأجيال القادمة.

أتذكر جيدًا آخر كلماتها لي قبل أن ترحل.. كانت تقول دائمًا:" ، لا تدع الحلم يتوقف.. الجامعة ليست مجرد مبانٍ، بل هي قلوب تنبض، وأحلام تتحقق.. اجعلها دائمًا منارة لكل طالب علم، وكن دائمًا على العهد بأن تظل رسالتنا مستمرة".

هذه الكلمات لم تكن مجرد نصيحة، بل كانت وصية، وكانت بالنسبة لي بمثابة العهد الذي لا يمكن أن أخلفه أبدًا. كنت أشعر بثقل هذه الوصية منذ رحيلها، وكنت أعلم أن الاستمرار في تحقيق حلمها ليس مجرد وفاء لها، بل مسئولية تجاه كل طالب وطالبة يبحثان عن فرصة لتحقيق أحلامهما، كل باحث يسعى للمعرفة، وكل أستاذ يريد أن يضع بصمته في مجال العلم والتعليم.

كلما مررت بين أروقة الجامعة، رأيت الطلاب وهم يتنقلون بين القاعات، كلما شاهدت الابتسامة على وجوه الخريجين، شعرت بأن والدتي لم ترحل.. بل إنها لا تزال حاضرة، لا تزال تراقب هذا الحلم الذي صنعته، لا تزال تبتسم بفخر مع كل نجاح يتحقق. لم يكن هذا الصرح مجرد مشروع، بل كان امتدادًا لروحها، وكانت رسالتها تسكن كل تفصيلة فيه.

اليوم، وبعد كل هذه السنوات، أشعر بالفخر لأنني أواصل ما بدأته والدتي.. أشعر بأنني أقف على أرض صلبة، لأني أسير على خطاها.. وأعلم أن المستقبل الذي كانت تحلم به لم يعد مجرد فكرة، بل صار واقعًا يتحقق يومًا بعد يوم.

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا لم تعد مجرد اسم، بل أصبحت رمزًا للتفوق والابتكار.. أصبحت منارة حقيقية للعلم، تستقطب العقول المتميزة، وتساهم في بناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات العصر. هذا الحلم لم يكن سهلًا، لكنه استمر لأن هناك من آمن به، وهناك من حمل الراية وأصر على أن تبقى هذه المنارة مضيئة.

لكنني أعلم أن الطريق لا يزال طويلًا.. وأعلم أن العمل لا يجب أن يتوقف.. لأن من يحمل راية العلم، لا يمكنه أن يتوقف عند نقطة معينة، بل عليه أن يواصل المسيرة، وأن يبقى على العهد، وأن يؤمن دائمًا بأن الأفضل لم يأتِ بعد.

أمي الغالية.. إن كان للحب معنى، فأنتِ معناه.. وإن كان للإرث قيمة، فأنتِ أغلى ما ورثت.. وإن كان للوفاء طريق، فهو ما أسير عليه كل يوم، محافظًا على وصاياك، مخلصًا لعهدك، مؤمنًا بأن رسالتك لن تموت.

سلامٌ على روحك النقية، وسلامٌ على كل من يسير على دربك، حاملًا شعلة العلم والنور.. في حضرتكِ، يا أمي، لا مكان للغياب، لأنكِ في كل خطوة، وفي كل نبض، وفي كل حلم يتحقق.

الصفحة الخامسة من العدد رقم 403 الصادر بتاريخ 6 مارس 2025

 

تم نسخ الرابط