الأربعاء 26 مارس 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

"فوضى" الإعلانات خطر يهدد الدراما

الكاتب والإعلامى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشيفية

- الإعلانات تسيطر على الشاشة وتفسد متعة المشاهدة 

- إعلانات "التسول" تشويه للذوق العام واغتيال للإنسانية

- ظهور النجوم فى الإعلانات يقلل من قيمتهم الفنية ويؤثر على جماهيريتهم

- زيادة نسبة الإعلانات فى المسلسلات تضر بالمحتوى وتشتت المشاهدين 

- مطلوب وضع حلول جذرية لوقف تأثير الإعلانات على جودة الدراما

في ظل المتعة التي تقدمها المسلسلات الدرامية والتي ينتظرها ملايين من المشاهدين في رمضان من كل عام، نجد أن هناك عنصرًا يعكر صفو هذه المتعة ويحول دون الاستمتاع الكامل بالعمل الفني، هذا العنصر يتمثل فى الإعلانات التي ازدادت بشكل غير مسبوق، حتى أصبحت تشكل عبئًا كبيرًا على تجربة المشاهدة، وتفسد المتعة التي يجب أن يستمتع بها الجمهور، وكما يقال في الحكمة الشهيرة: "حينما يزداد الشيء عن حده فإنه ينقلب إلى ضده"، فهذا ينطبق تمامًا على الإعلانات التي تسربت إلى حياتنا اليومية، لدرجة أن معظم القنوات الفضائية جعلت منها جزءًا أساسيًا من البث، حتى أصبحت تستهلك وقتًا أطول من المسلسل نفسه، بل نجد أن الإعلانات تتصدر الشاشة وكأنها هي الحدث الرئيسي، بينما تحولت الدراما إلى مجرد خلفية يتم استقطابها بين فواصل الإعلانات، مما يجعل المشاهد يشعر بأن المسلسل يتعرض للمقاطعة والتشويش باستمرار.

والغريب أنه في بعض الأحيان، تصبح الإعلانات أكثر  أهمية في وقت عرض المسلسلات، ففي حالات كثيرة يمكن أن يتجاوز الوقت المخصص للإعلانات أثناء العرض التوقيت الذي يتم فيه عرض المسلسل نفسه، وهذا يؤدي إلى انقطاع مستمر في متابعة الأحداث الدرامية، مما يجعل المشاهد يشعر وكأن القصة التي كان يتابعها قد ضاعت منه، فلا يعرف أين توقف المسلسل وما هو السياق الذي يعيشه أبطاله، وبالتأكيد لا يمكن أن يمر ذلك دون أن يترك تأثيرًا على تجربة المشاهدة، بحيث يصبح من الصعب على المشاهد الانغماس في الأحداث ومتابعة مجريات الأمور كما يجب.

ويبدو أننا أصبحنا الآن نعيش في عصر الإعلانات الذي لا يتوقف، وفي معظم الحالات لا تتوقف هذه الإعلانات عن كسر الإيقاع الدرامي، من الإعلانات الخاصة بشركات المحمول إلى تلك التي تحاول كسب تعاطف الناس لدعم قضايا إنسانية من خلال التبرعات، نجد أن هذه الإعلانات تستحوذ على وقت طويل من مساحة العرض، بما في ذلك تلك التي تدعونا إلى المشاركة في الأعمال الخيرية والتبرعات، وفي بعض الأحيان نشعر وكأننا نشهد تسولا إجماعيًا عبر الشاشة، فقد تحولت هذه الإعلانات إلى صيغة تفرض نفسها على المشاهدين في كل مكان وفي كل زمان.

وإذا كانت الإعلانات تهدف إلى جلب الفائدة المادية للقنوات، إلا أنه في المقابل فإن الضرر الذي يصيب المشاهد لا يمكن تجاهله، فقد أصبحت فترات الانتظار بين الإعلانات أطول من فترة العرض الدرامي نفسها، مما يشوه المفهوم الأساسي للدراما، حيث يفترض أن يتمكن المشاهد من التفاعل مع الشخصيات والأحداث، بينما الواقع هو أن الإعلانات تشتت انتباهه وتجعل متابعته للأحداث غير ممكنة بشكل سلس، وبدلاً من الاستمتاع بالعمل الفني، يجد المشاهد نفسه يتنقل بين أنواع مختلفة من الإعلانات التي لا نهاية لها.

وعلى الرغم من أن الإعلانات تعد مصدر دخل رئيسيا للقنوات التليفزيونية، فإن المبالغة في عرضها بهذا الشكل المزعج قد تضر بالصورة العامة للعمل الفني، يجب أن يكون هناك توازن بين تحقيق العوائد المالية من الإعلانات، وبين الحفاظ على سلاسة تجربة المشاهدة وتقديم محتوى ذي قيمة، ففي النهاية، الهدف الأسمى من الدراما هو جذب المشاهد وإيصاله إلى لحظات من التفاعل العاطفي والفكري مع الأحداث والشخصيات، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث إذا كانت الإعلانات تعكر صفو تلك اللحظات.

وللأسف في الآونة الأخيرة، انتشرت بشدة ظاهرة إعلانات التسول وبشكل ملحوظ على شاشات الفضائيات، وأصبحت تتسبب في إحراج وإزعاج للمشاهدين، وما يجعل هذه الإعلانات خطيرة هو أسلوبها الموجه لجمع التبرعات، سواء للمنظمات أو الأشخاص المحتاجين، باستخدام طرق تركز على إثارة العاطفة والتأثير النفسي، مما يخلق شعورًا بالذنب عند المشاهد إذا لم يساهم في هذه الحملات، لكن، يجب أن ندرك أن هذه الإعلانات لا تضر فقط بالمشاهدين بل تسيء أيضًا للذوق العام، الطريقة التي يتم بها عرض صور مأساوية أو أوقات عصيبة، تهدف إلى تحفيز المشاعر بشكل مبالغ فيه، وبدلاً من توجيه الفائدة الحقيقية، فإنها تسبب تدميرًا للاحترام الذي يجب أن يحظى به الإعلام والمحتوى الذي يُعرض، ناهيك عن التأثير على تركيز الجمهور، فيجعلهم يشعرون بالإرهاق النفسي من كثرة هذه الإعلانات المزعجة، ومن المثير للقلق أن هذه الإعلانات تأخذ وقتًا كبيرًا من المسلسلات أو البرامج الهامة، مما يشتت انتباه المشاهدين عن المحتوى الأصلي الذي يتابعونه، ويصبح من الصعب عليهم الانغماس في الأحداث الدرامية أو الاستمتاع بالعروض، إذ تطغى الإعلانات على المشهد، وللحق فإن الإعلانات التي تعتمد على "التسول" من خلال تحفيز العواطف بشكل مستمر تضر وتؤذي العين والأذن، وتخلق بيئة سلبية في عالم الإعلام، أتمنى أن تنتهي هذه الظاهرة، وألا نراها على شاشاتنا مرة أخرى، حتى نتمكن من الاستمتاع بالمحتوى الدرامي والفني بشكل صحيح، ونعيد للمشاهدين حقوقهم في الترفيه الهادئ والمتوازن.

وعند الحديث عن الإعلانات، لا يمكننا تجاهل المسألة الخطيرة التي تتعلق بمشاركة النجوم في الإعلانات ،خاصة عندما يكون هؤلاء النجوم يقدمون أعمالًا درامية خلال نفس الموسم، كما هو الحال في رمضان، فحينما يظهر النجم في إعلان تجاري خلال عرض مسلسله الرمضاني، فإنه يساهم بشكل غير مباشر في التقليل من قيمة وأهمية العمل الدرامي الذي يقدمه، وتكمن المشكلة في أن هذا الظهور العلني في الإعلانات يمكن أن يؤثر سلبًا على الصورة العامة للعمل الفني، إذ يمكن أن يصرف الانتباه عن الدراما والمحتوى الأصلي الذي يُعرض، خاصة عندما يتم ربط النجم نفسه بالحملات الإعلانية التجارية بدلاً من التركيز على الأداء الفني الذي يقدمه في العمل الدرامي، هذا يقلل من مصداقية العمل ويجعل الجمهور يشعر وكأن الدراما ليست أكثر من وسيلة لتحقيق مكاسب تجارية، إضافة إلى ذلك، قد تؤثر كثافة هذه الإعلانات على الجمهور بشكل سلبي، حيث يُصبح النجم مرتبطا بالإعلان في كل مكان، مما يخلق نوعًا من التشتت في ذهن المشاهد بين الدور الذي يؤديه النجم في المسلسل وحملات الإعلانات التي يظهر فيها، وهذا بالتأكيد يقلل من تأثير الشخصيات الدرامية ويؤثر على جذب المشاهدين بشكل إيجابي للعمل الفني، ولابد أن يكون هناك وعي من قبل النجوم ومنتجي الأعمال الدرامية في كيفية التوازن بين الأعمال الفنية والإعلانات التجارية، لضمان الحفاظ على قيمة وقوة الرسالة الفنية التي تسعى الدراما إلى تقديمها.

أعتقد أن الوقت قد حان للبحث عن حلول جذرية لتقليل تأثير الإعلانات المبالغ فيه على الأعمال الدرامية، وينبغي أن تركز القنوات على توفير مساحة كافية للدراما لتستمر دون انقطاع طويل، حتى يتمكن المشاهد من متابعة الأحداث بشكل سلس، مما يعزز تجربة المشاهدة ويجعل من الأعمال الدرامية أكثر قيمة ومتعة.

الصفحة السابعة من العدد رقم 405 الصادر بتاريخ 20 مارس 2025

 

تم نسخ الرابط