صابر سالم يكتب: طرح المطارات المصرية للقطاع الخاص: قراءة في الدوافع والتحديات والفرص
تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة موجة واسعة من إعادة هيكلة أصول الدولة وفتح الباب أمام مشاركة القطاع الخاص في قطاعات كانت تقليديًا تحت إدارة حكومية كاملة، ويأتي ملف طرح المطارات المصرية للقطاع الخاص في مقدمة هذه التحولات الاقتصادية.
فالقرار لا يُعد مجرد خطوة مالية تستهدف جذب استثمارات جديدة فحسب، بل يمثل أيضًا إعادة صياغة لطريقة إدارة واحد من أهم القطاعات الحيوية المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والسياحة وحركة التجارة.
يأتي التوجه نحو إشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المطارات المصرية بهدف تحسين كفاءة التشغيل ورفع جودة الخدمات المقدمة للمسافرين، خاصة في ظل الزيادة المستمرة في حجم الحركة الجوية وتركيز الدولة على تعزيز موقع مصر كمركز إقليمي للطيران.
فالقطاع الخاص يمتلك خبرة متراكمة في مجالات التشغيل، وإدارة العوائد، وجذب شركات الطيران، وتطوير الخدمات التجارية داخل المطارات، وهو ما يسهم في زيادة الإيرادات ورفع مستوى البنية التحتية دون تحميل الموازنة العامة أعباء إضافية.
وتشير التوجهات الحكومية إلى أن الطرح قد يتضمن أساليب متنوعة من الشراكة، سواء عبر عقود الإدارة، أو التشغيل والصيانة، أو منح امتيازات كاملة لفترات زمنية محددة.
هذه النماذج مطبّقة عالميًا في العديد من المطارات الكبرى التي يديرها القطاع الخاص أو بنظام المشاركة مع الحكومات، مثل مطارات لندن وباريس وإسطنبول وغيرها، ما يعكس نجاح هذه الصيغة في تحقيق التوازن بين المصلحة العامة وجذب الاستثمارات.
من جهة أخرى، فإن دخول القطاع الخاص في مجال الطيران المدني يُعد خطوة تكمّل الإستراتيجية المصرية لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65% خلال الأعوام المقبلة.
فالمطارات ليست مجرد منشآت خدمية، بل منظومة اقتصادية قائمة بذاتها تضم أنشطة النقل الجوي، والسياحة، والأسواق الحرة، والاستثمار العقاري، والخدمات اللوجستية.
وبالتالي فإن تطويرها باحترافية سيسهم في زيادة العوائد وتعظيم قيمة الأصول.
لكن رغم الفرص الكبيرة، يظل الملف محاطًا بمجموعة من التحديات التي تتطلب إدارة دقيقة.
أول هذه التحديات يتعلق بضرورة الحفاظ على الأمن القومي وضمان استمرار السيطرة الكاملة للدولة على الجوانب السيادية للمطارات، مثل الأمن والجوازات والمراقبة الجوية.
لذلك فإن الشراكة مع القطاع الخاص يجب أن تكون واضحة الحدود، بحيث تظل السيادة والإجراءات الأمنية في يد الدولة دون أي تنازل.
التحدي الثاني هو ضرورة اختيار شركات تمتلك خبرة حقيقية في إدارة المطارات الدولية، لأن التجربة تتطلب فهماً عميقاً لأساليب تشغيل المطارات الحديثة ومعايير السلامة والجودة.
ولهذا فإن عملية الطرح تحتاج إلى معايير صارمة لاختيار المستثمرين، مع وضع آليات متابعة وتقييم دورية لضمان الالتزام بالمستويات العالمية.
أما التحدي الثالث فيتعلق بردود الأفعال المجتمعية، إذ يرتبط مفهوم "طرح الأصول" لدى البعض بمخاوف من الخصخصة بمعناها التقليدي الذي أدى إلى مشكلات في تجارب دولية ومحلية سابقة.
وهنا يحتاج الملف إلى شفافية كاملة في الإعلان عن طبيعة العقود، ومدة الامتيازات، وقيمة الاستثمارات، وكيف ستنعكس هذه الخطوات على جودة الخدمة وأسعار التذاكر.
فالقطاعات الخدمية الحساسة مثل الطيران تحتاج دائمًا إلى طمأنة الرأي العام وتوضيح أن الهدف هو تحسين الجودة وليس بيع الأصول.
من جهة رابعة، فإن نجاح التجربة يتوقف على قدرة الدولة على صياغة نموذج شراكة متوازن يحفظ حقوقها ويحقق للمستثمر عائداً مجزياً، وهو ما يتطلب خبرات قانونية واقتصادية متخصصة، خاصة أن عقود إدارة وتشغيل المطارات من أكثر العقود تعقيدًا على مستوى العالم.
ورغم ذلك، فإن المكاسب المحتملة أكبر بكثير من التحديات، فإشراك القطاع الخاص في المطارات يعني ضخ استثمارات ضخمة في صالات السفر وممرات الطائرات، وتطوير الأنظمة الرقمية، وتحسين خدمات الركاب، وزيادة القدرة الاستيعابية بما يدعم السياحة ويجذب خطوط طيران جديدة.
كما يسهم في رفع تنافسية مصر في سوق الطيران العالمية ويعزز مكانتها كمركز محوري بين إفريقيا وآسيا وأوروبا.
ختامًا، فإن طرح المطارات المصرية للقطاع الخاص يمثل خطوة إستراتيجية تنسجم مع رؤية الدولة لتحديث البنية التحتية ورفع كفاءة الخدمات، لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى إدارة حكيمة توازن بين جذب الاستثمارات وحماية المصالح الوطنية.
وبينما تترقب السوق المحلية والعالمية تفاصيل الطرح، يظل الرهان الأكبر على قدرة هذه الخطوة على تحقيق نقلة نوعية في جودة خدمات الطيران، ودعم الاقتصاد الوطني، وتعزيز مكانة مصر في حركة النقل الجوي الإقليمي والدولي.




