وقعت عينى على خبر يفيد بدراسة تؤكد أن التفاؤل يطيل العمر، هذه الدراسة أظهرت أن الإنسان المتفائل يعيش عمرا أطول من الإنسان المتشائم وأنه أقل منه عرضة للإصابة بالأمراض النفسية التى ينتج عنها انخفاض درجة مقاومة الجسم للأمراض العضوية، فيكون الإنسان مرتعا خصبا للميكروبات والفيروسات بأنواعها، هذه الدراسة تؤكد ما هو معروف فى الدوائر الطبية منذ فترة طويلة بأن الحالة النفسية والمزاجية للإنسان لها تأثير كبير على الصحة الجسدية.
وهذا يجعلنى أطرح موضوع التفاؤل والتشاؤم لدى الإنسان، وما الذى يجعل إنسانا متفائلا وآخر متشائما هل هى الجينات المركبة فينا؟ وما تعنيه من انتقال الصفات الوراثية أبا عن جد وفقا لخارطة تفصيلية شديدة التعقيد تحدد لون العينين وشكل الأنف والطول والقصر وأشياء أخرى كثيرة؟ وأقول إنه ليس بالضرورة أن يكون الأمر كذلك فى موضوع التفاؤل والتشاؤم والمثل الشعبى ينفعنا فى ذلك، والمثل يقول: "يخلق من ظهر العالم فاسد ومن ظهر الفاسد عالم"، والأمثال الشعبية عادة لا تأتى من فراغ، وإنما هى جماع خبرات متراكمة، ونماذج ظهرت على الطبيعة على امتداد فترة زمنية طويلة، تختزن فى الذاكرة الجماعية وتخرج على هيئة مثل شعبى يعبر بشكل شديد الإيجاز عن حقيقة ما قد تعجز جملة طويلة عن التعبير عنه بنفس الدقة، نجد فى أحيان كثيرة أن البخيل يكون كريما سخيا، وابن الشخص القاسى الغليظ القلب إنسانا رحيما عطوفا، فالمسألة ليست ببساطة رد الأمر كله إلى الجينات الوراثية، وأمر آخر ألح عليه فى كل مناسبة أنه لو كان الأمر كذلك وأننا محكومون بالصفات الوراثية ولا حيلة لنا فيما "تخلعه علينا" من صفات، لما وجهنا خالقنا إلى تهذيب النفس والارتقاء بها، أى إلى إعادة تشكيلها على النحو الذى نريد " قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا "، كما جاء فى سورة الشمس. التغيير ممكن بالإرادة فلدى كل منا ما يسميه علماء النفس الـ" أنا الأعلى"، أى أنه فى داخل كل منا ما يمثل الإرادة العليا الحاكمة على مجمل تصرفاتنا وميولنا وطباعنا ومنهج حياتنا ونمط تفكيرنا، فلا يصح لأحد أن يقول "أنا طبعى كده"، أو "أنا ربنا خلقنى كده". أكرر أنه لو لم يكن للإنسان دخل فى أسلوب حياته ونمط تفكيره، ما حاسبنا الله على ما نفعل لأننا نكون حينئذ مقهورين على أفعالنا وأقوالنا وسائر تصرفاتنا، ولكننا بكل تأكيد مسئولون عما نفعل وما نفعله هو نتيجة نمط تفكير معين يمكننا التحكم فيه والتعديل والتبديل فيه وارد وفى إمكان كل منا. فماذا نصنع؟ بالنسبة للمتفائل فليست لديه مشكلة على الإطلاق، فالمتفائل إنسان يستقبل الحياة برضا، ويأخذ الأمور بسهولة ويسر، ويظن بالناس خيرا "وإن أخذ حيطته منهم، كما تقتضى الحكمة ذلك". كما أنه واثق من نفسه وعلى بينة من ربه، إن جاءه خير شكر، وبذل للآخرين مما أعطاه الله، تعبيرا عن الحمد، ولم يقصر الحمد على النطق بلسانه أو فى قلبه.
المشكلة الحقيقية فى المتشائم فهو ينظر إلى الدنيا بمنظار أسود قاتم، يتوقع الشر أن يلحق به وبأسرته بل ينتظر الكوارث والنكبات طوال الوقت ولا يقبل على أى مشروع لأنه يتوقع الخسارة الأكيدة، ولا يعطى ثقته لأحد، لأنه يتوقع الغدر والخيانة دائما ولا يفتر ثغره عن ابتسامة ناهيك عن الضحك، فالابتسامة من الممنوعات عنده، ويتعامل مع الآخرين عابسا مقطب الجبين.
والإنسان الذى يعتقد أنه منحوس سوف يلحق به النحس ويسكنه ويتوطن فيه ولسوف يعدى أهله بهذا الداء لأن التشاؤم مثل الأمراض المعدية ينتقل إلى الآخرين بالملامسة أى بالصحبة ولذلك أقول للمتشائمين: ارحموا أنفسكم وأهليكم وفكوا النحس عن أنفسكم ولا تجعلوا حياتكم وحياتهم معكم مأتما مستمرا ومحزنة متصلة الحلقات وانظروا إلى الحياة نظرة كلها بشر وتفاؤل عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفاءلوا بالخير تجدوه".