بعد الانتخابات.. مناطق العراق المحررة من داعش تتطلع للتغيير
شكل نجاح عمليات الاقتراع في محافظات ذات غالبية سنية بالعراق، أحد معايير الحكم على الانتخابات البرلمانية التي جرت، مؤخرا، لا سيما أن تلك المناطق، كانت ضحية للدمار والخراب الناجمين عن إرهاب تنظيم داعش، بدءًا من 2014 إلى غاية التحرير في 2017.
ويرى متابعون أن أجزاء واسعة من محافظات ديالي ونينوي وصلاح الدين والأنبار، تأثرت بشكل كبير من إرهاب تنظيم داعش الذي ترك ندوبا ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.
وجرت الانتخابات العامة ما قبل الأخيرة، في تلك المناطق وسط أجواء من عدم الاستقرار والفوضى، إلى لا سيما في ظل تداعيات وجود داعش.
ورغم مرور سنوات عديدة على تحريرها من داعش، ما زالت تتعالى شكاوى المواطنين في تلك المناطق التي اكتوت بنار الإرهاب من بطء وتيرة عمليات إعادة الإعمار والتأهيل، وتعويض المتضررين والمطالبة بإغلاق ملف النازحين، عبر تأمين عودة كريمة وآمنة لهم لبيوتهم ومناطقهم، مع تحسين واقع الخدمات الأساسية المتهالكة.
وتعليقا على الفروق بين التجربتين الانتخابيتين، يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، "هذه الانتخابات بالنسبة للمناطق العربية السنية، هي الأكثر استقطابا لاهتمام أبناء تلك المناطق ".
وأضاف "طيلة الدورات الانتخابية الماضية، لم يكن المواطنون العرب السنة العراقيون، يكترثون كثيرا بالمشاركة بالانتخابات والاسهام فيها، ولم يكن ثمة حتى إدراك لضرورة المشاركة ولا جدوى المقاطعة والعزوف".
انتخابات فعلية
يقول البيدر "في انتخابات العام 2018 البرلمانية، أي ما قبل الأخيرة، م نشهد حينئذ انتخابات أصلا بمعنى الكلمة في تلك المناطق الخارجة للتو من تجربة مريرة على وقع احتلال تنظيم داعش الإرهابي لمعظمها".
وتابع الباحث "لم يكن ثمة استقرار، خاصة في مناطق مثل الحويجة والشرقاط وغيرهما الكثير من المناطق، فمزاج الناس الانتخابي عامة كان سلبيا وغير مبال، وحتى الجوانب الفنية لم تكن مساعدة لإجراء الانتخابات في تلك المناطق، لأن الكثيرين من أبنائها، مثلا، كانوا نازحين في المخيمات وهكذا".
أما الآن فالأمور تغيرت، كما يلاحظ الكاتب العراقي "لأن المناطق باتت أكثر استقرارا، وهناك وعي بالتغيير والإصلاح بات يتسع بين الناس، وخاصة بين الفئات العمرية الشابة، التي بدأت تستلهم نماذج خطاب ورموز حراك أكتوبر الشعبي في مناطق الوسط والجنوب، وتقدمها انتخابيا، ولهذا رأينا كيف أنه قد تم إقصاء نماذج سياسية كلاسيكية، كانت تدعي طويلا تمثيلها المكون العربي السني بالعراق، ومعاقبتها انتخابيا، والإتيان بشخصيات جديدة".
وأضاف "ولهذا فنسبة المشاركة كانت ربما هي الأعلى في المناطق السنية هذه المرة، وتفاعل الناس مع الانتخابات فيها كان واسعا وواعيا لحد جيد، ولهذا سيكون ممثلو هذه المناطق الفائزون بالانتخابات الأكثر تعبيرا عنها وعن همومها ومطالبها".
واستطرد أنه مع نظام الدوائر الانتخابية المتعددة المعتمد خلال هذه الدورة، "بات المرشحون الفائزون يعبرون بشكل مباشر عن واقع ومطالب المناطق الانتخابية التي ترشحوا فيها ونجحوا، فبعضها تحتاج لرعاية أمنية وأخرى تحتاج لخدمات أوسع وهكذا دواليك".
الوزن السياسي السني
من جانبه يرى أستاذ العلوم السياسية، علي أغوان، في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، أن هذه الانتخابات "تميزت في المناطق السنية المحررة من داعش عن سابقتها، بأنها جرت ضمن بيئة سياسية أكثر استقرارا، وإعادة الكثير من نازحيها لمناطقهم الأصلية، مع محاولة تجاوز المشكلات التي وقعت فيها المفوضية العليا للانتخابات في العام 2018، والتي جرت بعد عام واحد فقط من تحرير تلك المناطق، بينما نحتفل الآن بالذكرى الخامسة لتحريرها".
ويضيف أغوان "محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، مثلا، شهدت تنافسا سياسيا انتخابيا حادا بين مختلف القوى المتنافسة، وهذا مثل مؤشرا عام وصحي على وجود إقبال شعبي على الانتخابات، لكن مع ذلك لم تكن نسب المشاركة العربية السنية بالشكل المطلوب، لأن البدائل الشعبية لم تتبلور بشكل كامل بعد".
يوضح الأستاذ الجامعي العراقي أن الوضع السياسي في المناطق المحررة من داعش "يبدو أكثر قابلية للتطوير نحو الأفضل، فالانتخابات كانت محطة مهمة لإظهار شكل التوازنات داخل المكون العربي السني، وطبيعة تحالفات واصطفافات القوى السياسية داخله ونحو المكونات الوطنية الأخرى، ومن سيمثله في العاصمة بغداد، وحجمه برلمانيا وحصته حكوميا، فكل هذه التفاصيل المهمة، تبلورت لحد كبير على ضوء نتائج الانتخابات، وظهور مقدار الأوزان والأحجام السياسية السنية العربية".
صفحة جديدة
ويردف الأكاديمي العراقي "عموما، وعلى ضوء ما تمخض عن هذه الانتخابات، يمكن استنتاج حقيقة أن المناطق العربية السنية المحررة من الإرهاب، تحاول تطوير واقعها وطي صفحة الماضي، والذهاب بعيدا تجاه الخيارات الديمقراطية وتكريس ثقافة تداول السلطة ودولة المؤسسات".
وتصدر تحالف تقدم الذي يرأسه محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب العراقي، ترتيب القوى السنية بواقع 37 مقعدا، فيما حل ثانيا تحالف عزم الذي يتزعمه خميس الخنجر بواقع 12 مقعدا، حسب النتائج المعلنة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والتي ما زالت تنظر في الطعون والشكاوى الانتخابية، تمهيدا لإعلان النتائج النهائية والمصادقة عليها.