محمد فودة يكتب: "الترند" .. شهرة زائفة .. ونجومية مؤقتة
◄"فوضى الترند" أسقطت ورقة التوت وكشفت عن عورات المجتمع
◄العالم الافتراضى يدفع الناس نحو "الهاوية" والذكاء الاصطناعى "موضة العصر"
◄اللاهثون وراء الشهرة يمارسون الجنون على "التيك توك" من أجل لفت الأنظار ◄المهزوزون نفسيًا يخلقون حالة من الجدل حول أنفسهم ليتصدروا "السوشيال ميديا"
◄السقوط فى وحل "الترند" مرض مزمن ينهش جسد المجتمع بلا هوادة
هناك مسألة ضرورية ومهمة يجب أن نضعها فى الاعتبار قبل الكتابة عما يسمى بـ"فوضى الترند"، هى أن الجرى بجنون وراء الشهرة والنجومية الزائفة ليس اتجاهًا جديدًا على المجتمع وإنما هو آفة متأصلة ومتجذرة فى كافة المجتمعات، كما أنه ليس "موضة جديدة" أفرزها التطور الذى نشهده الآن فى وسائل التواصل الاجتماعى، تلك الوسائل التى أفرزت وبشكل لافت للنظر ما يسمى بـ"الترند"، ففى مختلف العصور حتى فى زمن الفن الجميل كانت تظهر من حين لآخر أشياء من هذا القبيل، حيث كانت تظهر فجأة شائعة عن إصابة نجم كبير بمرض نادر ويصبح فى لحظات هذا الخبر حديث الجميع الكبار والصغار -على حد سواء- وبعد فترة ليست قصيرة يفاجأ الجميع بأنه لا يوجد مرض ولا أية إصابة، وأن الموضوع كله لا يتعدى كونه مجرد دعاية تقف وراءها إحدى شركات الإنتاج التى ربما تكون قد أنتجت عملًا فنيًا لهذا النجم وتريد أن تصنع له "دعاية مجانية" جاذبة للجمهور مما ينعكس وبكل تأكيد على زيادة الإيرادات والمكاسب المالية والمعنوية للشركة التى بكل تأكيد لا يهمها أصلًا سمعة هذا النجم ولا مصداقيته وإنما مصلحتها فوق كل الاعتبارات.
ومع مرور الوقت وتطور وسائل التواصل وظهور مفردات جديدة على حياتنا أصبحت تقاس على "الترند" درجة وحجم جماهيرية هذا النجم أو ذاك، وقد أصبح أمرا فى منتهى السهولة أن يصعد بين الحين والآخر "ترند" ويختفى آخر، ومع الصعود والاختفاء تُثار تساؤلات تتعلق بكيفية صناعة "الترند"، وهل قوته تتوقف على الشخصيات التى يتناولها؟ ولماذا لم تضع منصات التواصل معايير حقيقية لـ"الترند" خلال الفترة الماضية؟ كل هذه التساؤلات تحتاج لإعادة النظر فيما يحدث فى"الترند" الذى أصبح يمثل نوعا من التجارة حيث يتم وبسهولة شديدة الحصول على ترتيب متقدم مقابل القيام بحملات مدفوعة الأجر مما يجعل هذا "الترند" مشكوكا فى مصداقيته، فضلًا عن ذلك فإن الحديث عن "الترند" وما يدور فى فلك السوشيال ميديا أصبح حديثًا ذا شجون ويدعو للاشمئزاز بل ويبعث أيضًا فى النفوس الشعور بحالة من الاستياء فالكثير من الترندات التى تظهر بشكل يومى ويفتعلها بعض النجوم للفت الأنظار تكون بلا معنى وربما لا تُحمد عقباها فى النهاية، حيث تبدل الهدف النبيل الذى من أجله ظهرت مواقع التواصل الاجتماعى وهو خلق حالة من الترابط والتواصل بين الناس وبعضهم البعض مهما اختلفت جنسياتهم وتباينت ثقافاتهم وتحولت تلك المواقع -بقدرة قادر- إلى مرض مزمن.
والشيء الذى يدعو للشعور بالاشمئزاز أن الجرى وراء الترند لا يقتصر على النجوم فقط بل هناك أنصاف وأرباع الموهوبين الذين يتفننون فى صناعة محتوى مثير وغريب حتى يتحول ما يفعله إلى ترند كما أنه بالنسبة للفنانات نجد عددًا ليس قليلا منهن تعتمد على الملابس العارية والتقاليع الغريبة من أجل تحقيق الترند والبقاء فى دائرة الأضواء لفترات طويلة، فقبل أيام قامت الدنيا ولم تقعد عن شخص يدعى "كروان مشاكل" يظهر على التيك توك ويظهر فى فيديوهات، وقد ظهر فى فيديو استوجب القبض عليه، حيث قرر قاضى المعارضات بمحكمة التجمع الخامس، تجديد حبس «التيك توكر»، كروان مشاكل، 15 يوما على ذمة التحقيق بتهمة التحريض على الفسق والفجور والتعدى على قيم ومبادئ المجتمع المصرى، بعد أن اتخذت أجهزة الأمن فى محافظة سوهاج إجراءاتها لترحيل التيك توكر «كروان مشاكل» إلى مديرية أمن القاهرة لبدء التحقيق معه فى اتهامه بالتحريض على الفسق والفجور، بعد إلقاء القبض عليه مختئبًا فى منزل خالته بمركز طهطا، إذ كان اللواء محمد عبدالمنعم شرباش، مدير أمن سوهاج، قد تلقى معلومات أكدتها تحريات ضباط المباحث، بإشراف اللواء محمد زين، مدير المباحث الجنائية، تفيد باختباء المتهم عند خالته، 56 سنة، بنجع عرب بخواج التابع لقرية الشيخ زين الدين بدائرة مركز طهطا، وعلى الفور تم تقنين الإجراءات واستصدار إذن النيابة العامة، وجرى تشكيل مأمورية أمنية من ضباط المباحث بقيادة العميد رأفت رشوان، رئيس فرع البحث الجنائى لقطاع الشمال، وإشراف العميد محمود طه، رئيس مباحث المديرية، وبتفتيش منزل المذكورة تبين وجود المتهم مختبئًا فى إحدى غرف المنزل، حيث تم اقتياده إلى مركز شرطة طهطا وعمل محضر إجراءات ضبط، وتم اتخاذ إجراءات ترحيله إلى مديرية أمن القاهرة للتحقيق معه فى التهم المنسوبة إليه، وقال كروان أثناء التحقيقات "إنجى ضحكت عليا قالتلى هنهزر ونضحك وننزل الفيديوهات للناس ده هيشهرك أكتر ويشهرنى معاك وكل ما الفيديوهات تكون مستفزة وحقيقية كل ما الناس اتفرجت ونكون اتشهرنا أكتر وكسبنا فلوس أكتر لكن أنا ما كنتش أعرف إنها عاوزة تلبسنى فى مصايب لو أعرف ما كنتش عرفتها ولا كلمتها فى يوم من الأيام ".
هل يعقل أن نصل لتلك المرحلة من مراحل السوشيال ميديا؟! فـ"الترند" بالمعنى الشمولى للكلمة وكما عرفه خبراء صناعة المحتوى هو عبارة عن دخول عادة جديدة على تصرفات البشر لتصبح شائعة بينهم لكن إذا تحدثنا عن كلمة "ترند" فى عالم التواصل الاجتماعى فيمكن وصفها بأنها كلمات مفتاحية أو صور أو مقاطع فيديو تنتشر، ويجرى تداولها بين الأشخاص وتأخذ حيزًا كبيرًا من التداول، وفى هذا السياق يرى خبراء صناعة المحتوى الرقمى أن المحتوى المكتوب لا ينجح دائمًا فى توصيل الفكرة مائة فى المائة دون أن نرى تعابير الجسد، ومن هنا بدأت فكرة الاستعانة بمحتوى يعرفه الجميع مثل مشهد من فيلم أو مسلسل ليسهّل عملية التواصل على المتابعين فى شتى أنحاء العالم، كما يرى البعض أيضًا أن هناك صلة كبيرة تربط بين قوة "الترند" و"مصدره" إذ أن قوة الترند أو ديمومته تعتمد بشكل أساسى على الشخص أو المصدر الناشر المحتوى ومدى شعبيته، فحينما يكون مصدر المحتوى شخصا مشهورا يتابعه على موقع تويتر ملايين المتابعين فنجده فى هذه الحالة، تتحول أى تغريدة بسيطة له إلى ترند ربما تغير مفاهيم كثيرة فى المجتمع، وهنا فإنه يمكننى القول إن مسار الفكرة حتى تتحول إلى ترند عادةً يبدأ من شخص مؤثر إذا كان من بين متابعيه أشخاص لهم أيضًا تأثير ينعكس فى عدد المتابعين، ثم تنتقل الفكرة بعده فى شكل دوائر حتى تتحول إلى ترند وربما يصل إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها، وبالتالى فإنه أصبح من الثابت أن الترند هو أيضًا فكرة أتت بها منصات التواصل بالأساس والهدف منها خلق نوع من الجذب للمنصة نفسها، فعندما يصبح شخص ما أو حدث أو مصطلح بعينه حالة رائجة اليوم، يحفّز ذلك المستخدمين على مزيد من التفاعل على المنصة، وبالتالى تحقيقها مزيدًا من المكاسب المادية وهو ما نلمسه بشكل لافت للنظر فى منصتى "يوتيوب وتويتر" اللتين تقدمان خدمة "الترندات" اليومية التى تحدث على مدار الساعة، ما يعكس أهمية البيانات المعبّرة عن اهتمامات المستخدم.
المبالغة المفرطة فى صناعة "الترند" أصبحت مرضا مزمنا ينهش جسد الجميع والمشاهير وحياتهم، وهذا يأتى عكس مجريات الأمور، فإن أثر "الترند" يصنع مردودا سلبياً وليس إيجابيا، والنتيجة هى غرق الناس فى مجتمع افتراضى موازٍ يصنعه "الترند" بكل أسف.