الأحد 22 ديسمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

الذكاء الاصطناعي  في  الموسيقى .. تهديد حقيقي  للإبداع البشري

الكاتب والإعلامى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشيفية

- محاكاة أصوات الفنانين الكبار بالذكاء الاصطناعي  تزوير للإرث الفني  وتضليل للجمهور

- من يملك حقوق الملكية لأغنية كتب كلماتها ولحنها الذكاء الاصطناعي؟!

- هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل المبدع البشري  ويكتب نهاية العبقرية الموسيقية؟

- الذكاء الاصطناعي  يقتل روح الموسيقى  والأصالة والإبداع بإنتاجات مزيفة

وسط عالم يموج بالتغييرات السريعة والمذهلة من حولنا، يشهد عالم الموسيقى تحولات جذرية بسبب ما يطلق عليه التطور التكنولوجي المتسارع، وبات الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً متزايداً في صناعة الألحان وتأليف الكلمات وتوزيع الموسيقى ، هذا التطور يثير جدلاً واسعاً حول مدى  تأثيره على  الإبداع الموسيقي، وعلى  حقوق الملكية الفكرية، وعلى  مستقبل الفنانين أنفسهم، فلا شك أن الذكاء الاصطناعي يشكل ثورة في عوالم كثيرة بحياتنا لعل منها عالم الموسيقى ، لذا يجب التعامل مع هذه التكنولوجيا بحذر، والتفكير في الآثار المترتبة على  استخدامها، ومن الضروري وضع قوانين وتشريعات واضحة لحماية حقوق الملكية الفكرية وحماية الفنانين من الاستغلال، كما يجب التفكير في الآثار الاجتماعية والأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الموسيقى .

ومع دخول الذكاء الاصطناعي عالم الموسيقى ، أصبح التركيز منصباً على  الكمية بدلاً من الكيفية، فالأجهزة قادرة على  توليد آلاف الألحان في وقت قياسي، ولكنها تفتقر إلى اللمسة الإبداعية التي يضيفها الإنسان، هذا الإنتاج الضخم للموسيقى المولدة آليًا يخلق تشبعًا في السوق ويقلل من قيمة كل لحن علة  حدة، فالموسيقى  الحقيقية هي تلك التي تستطيع أن تلامس القلوب وتثير المشاعر، والألحان التي يولدها الذكاء الاصطناعي، مهما كانت متقنة من الناحية التقنية، تفتقر إلى  العاطفة والإحساس اللذين يضفيهما الملحن البشري إلى  ألحانه، فالإنسان هو من يعيش التجارب الحياتية التي تلهم الإبداع، والآلة لا تستطيع أن تفهم هذه التجارب بعمق.

وعلى  الرغم من تقديم الذكاء الاصطناعي العديد من الإمكانيات في مجال الموسيقى ، فإنه يشكل تهديداً حقيقياً للإبداع الموسيقي، فالتسابق وراء الكمية، وفقدان العاطفة، وتكرار الأنماط، كلها عوامل تساهم في تدهور جودة الموسيقى ، يجب علينا أن نكون حذرين من الاعتماد الكلي على  التكنولوجيا، وأن نحافظ على  القيمة الإنسانية في الإبداع الموسيقي، حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي مجموعة متنوعة من التقنيات والأساليب في إنتاج الموسيقى ، منها توليد الألحان، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي توليد ألحان أصلية بناءً على  أنماط موسيقية محددة أو مدخلات نصية بسيطة، كما يستطيع الذكاء الاصطناعي كتابة كلمات لأغانٍ بأسلوب معين وتناسب لحنا معينا، وأيضا يساهم الذكاء الاصطناعي في توزيع الموسيقى وتأليفها بطرق مبتكرة، مما يفتح آفاقاً جديدة أمام الملحنين والموزعين، كما يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل الأغاني وتحديد أسلوبها وعناصرها المميزة، مما يساعد في تطوير أدوات جديدة لصناعة الموسيقى .

لكن السؤال الذي  يراودني في  هذه المسألة هو: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل المبدع البشري؟ بالطبع لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الإبداع البشري بالكامل، على  الأقل في الوقت الحالي، فالإبداع هو قدرة بشرية فريدة تتطلب الخيال والإلهام والتجارب الحياتية، من الممكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية تساعد الفنانين على  تحقيق إبداعاتهم، ولكن لا يمكنه أن يحل محل العقل الإبداعي للبشر، وأيضا تثير أعمال الموسيقى التي ينتجها الذكاء الاصطناعي العديد من التساؤلات حول حقوق الملكية الفكرية، من يملك حقوق الملكية لأغنية كتب كلماتها ولحنها الذكاء الاصطناعي؟ هل هي ملك للمبرمج الذي صمم النظام، أم للشركة التي تملك النظام، أم هي ملكية عامة؟

والمؤسف في  هذه المسألة هو  إعادة محاكاة صوت الفنانين القدامى  والرموز الغنائية منهم عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وتركيب أصواتهم على  بعض الأغنيات بواسطة الذكاء الاصطناعي ، وللحق فإن محاكاة أصوات الفنانين الكبار باستخدام الذكاء الاصطناعي تعد قضية مثيرة للجدل وتثير العديد من المخاوف، لعل أبرز تلك المخاوف انتهاك حقوق الملكية الفكرية فاستخدام عينة صوتية لفنان دون الحصول على  إذنه يعد انتهاكاً صريحاً لحقوق الملكية الفكرية، هذا الأمر قد يؤدي إلى  نزاعات قانونية وخسائر مالية كبيرة للأصحاب الأصليين للأعمال الفنية، وأيضا التضليل والتزوير، حيث يمكن استخدام هذه التقنية في عمليات الاحتيال والتضليل، إذ يتم تقديم أعمال مزيفة على  أنها أعمال أصلية للفنانين الكبار، مما يضر بسمعتهم ويشكك في أصالة أعمالهم، وتدمير الإرث الفني، فمحاكاة الأصوات بطريقة غير دقيقة قد تؤدي إلى  تشويه صورة الفنان وتشويه إرثه الفني، حيث يتم تقديم أعمال لا تعكس حقيقة إمكانيات الفنان الصوتية وإبداعه، أيضا قد يؤدي انتشار الأعمال المزيفة إلى  تراجع قيمة الأعمال الأصلية للفنانين، مما يضر بالصناعة الموسيقية بشكل عام، وهناك قضايا أخلاقية تتعلق باستخدام صوت الفنان دون موافقته، حيث يتم استغلال صورته وسمعته لأغراض تجارية، فيمكن للذكاء الاصطناعي أن ينتج أغاني جديدة بصوت يشبه صوت عبد الحليم حافظ أو أم كلثوم، مما يجعل من الصعب تمييزها عن الأعمال الأصلية، وهنا يجب تشديد القوانين لحماية حقوق الملكية الفكرية للفنانين ومنع استخدام أصواتهم دون إذن، وأعتقد أنه يجب في  هذا الصدد تحديدا توعية الجمهور بخطورة هذه التقنية وكيفية تمييز الأعمال الأصلية عن الأعمال المزيفة، خاصة أن الأجيال الجديدة ربما بعض منها لم يستمع إلى  الأغاني  الأصلية لكوكب الشرق أم كلثوم أو العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، لذا وجب توعيتهم، أيضا أرى أنه من الأهم تشجيع التعاون بين الفنانين والشركات التكنولوجية على تطوير استخدامات إيجابية للذكاء الاصطناعي في مجال الموسيقى ، وللحق فإنني  أرى  محاكاة أصوات الفنانين الكبار باستخدام الذكاء الاصطناعي قضية معقدة تتطلب حلاً متكاملاً يشمل الجانب القانوني والتقني والأخلاقي، يجب أن يكون هناك توازن بين الاستفادة من التكنولوجيا وبين حماية حقوق الفنانين وحماية الجمهور من التضليل.

وإحقاقا للحق أقول وبكل صراحة إن الغناء والطرب المصري  في  محنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى  بل ويتعرض أيضاً لأكبر خطر حيث لا يوجد من يرفع رأس الطرب المصري  في  الجيل الجديد، ولم تعد أغاني  هذا الجيل تتمتع بالقدرة على  البقاء وأيضا لا تبقى  في  الذاكرة كما اعتدنا من كبار المطربين، الذين تربى  وجداننا على  أغانيهم من أصحاب الحناجر الذهبية؟ فأغاني  الحب التي نسمعها الآن سرعان ما تختفي  وتزول وكأنها فقاعات هواء تظهر ثم تتلاشى  فجأة في  نفس اللحظة، وتصبح هي  والعدم سواء، خاصة أنها غير مفهومة من الأساس، وبكل أسف للأسف فإن توجه الجمهور في  الفترة الأخيرة نحو كل ما هو هابط أدى   إلى   تدهور مستوى  الذوق الفني بشكل عام، وتقليل قيمة الفن الأصيل، وساهم في انتشار الثقافة الهابطة، وللحق فإني  لا أعرف ماذا جرى   للساحة الغنائية والفنية بالكامل، أشعر بأن هناك شيئا غريبا طفى   على   السطح، ولا أدري  لماذا طال المطال بنا حتى وصلنا إلى هذه الدرجة؟

الصفحة السابعة من العدد رقم 387 الصادر بتاريخ 14 نوفمبر2024
تم نسخ الرابط