السبت 19 أبريل 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

مصر.. حين تكون عاصمة للقرار العربي ومقصدًا لصوت العمال

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- توجيهات الرئيس السيسي تتلخص في أن مصر مع كل عمل عربي مُشترك يرفع الإنتاج ويوفر فرص العمل ويحقق التنمية

- مصر تضرب المثل الذي يُحتذي به في التشريعات والقرارات التي من شأنها تحقيق التوازن والعدالة بين صاحب العمل والعامل

- توفير كافة أوجه الحماية والرعاية والدعم للعمال.. وبذل كل الجهود وتوفير الإمكانيات لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في "جمهورية جديدة " ذات مناخ استثماري مُتميز

- مشاركة واسعة من وزراء العمل وممثلي منظمات أصحاب الأعمال والعمال بالدول العربية وممثلي المنظمات العمالية من 21 دولة عضوا في المنظمة

- تكريم دفعة جديدة من رواد العمل العربي تقديرًا لإسهاماتهم في دعم قضايا التشغيل والحوار الاجتماعي

- توظيف التكنولوجيا الحديثة والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والاقتصاد القائم على المعرفة كوسائل لتحقيق النمو المستدام وتعزيز القدرة التنافسية

- تطوير البنية التحتية الرقمية وتحديث نظم التعليم والتدريب الفني والتقني بما يتلاءم مع التحولات الجارية خاصة في مجالات البرمجيات

كنت وما زلت على قناعة تامة بأن القاهرة ليست فقط حاضنة للثقافة العربية أو منارة للسياسة، بل هي القلب النابض الذي ما إن يدعو للاجتماع، حتى تلبّي العواصم، ويجتمع حولها الأشقاء، يحملون همًّا مشتركًا، ويبحثون عن أمل مشترك. ولعل استضافة مصر مؤتمر العمل العربي في دورته الحادية والخمسين - الذي تنظمه منظمة العمل العربية خلال الفترة من 19 إلى 26 أبريل الجاري، تحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبمشاركة واسعة من وزراء العمل وممثلي منظمات أصحاب الأعمال والعمال بالدول العربية وممثلي المنظمات العمالية من 21 دولة عضوا في المنظمة - ليست مجرد فعالية دولية معتادة، لكنها رسالة متجددة بأن مصر قادرة بمكانتها وثقلها، على أن تجمع العالم العربي في لحظة صدق، ليناقش أبناؤه أهم ما يشغلهم: "العمل، والعدالة، والكرامة الإنسانية".

في تقديري الشخصي، انعقاد هذا المؤتمر في القاهرة تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، في هذا التوقيت تحديدًا، يتجاوز فكرة الاستضافة البروتوكولية إلى معانٍ أعمق تتعلق بمدى إيمان الدولة المصرية بأن التحديات التي تواجه سوق العمل العربي لم تعد تنتظر رفاهية الوقت أو المجاملة.

فنحن أمام واقع اقتصادي متغير، تتحرك فيه التكنولوجيا أسرع من التشريعات، وتتشكل فيه وظائف لم نكن نحلم بها قبل سنوات، فيما تختفي مهن لطالما كانت مصدر رزق لعائلات بأكملها.

واللافت للنظر أن الدورة الحالية للمؤتمر تأتي تزامنًا مع مرور ستين عامًا على تأسيس منظمة العمل العربية، وكأننا أمام وقفة مراجعة جماعية لكل ما مضى، وفي ذات الوقت، نقف على مشارف مستقبل مشحون بالاحتمالات والتحديات. 

ولم يعد الحديث عن "الاقتصاد الرقمي" رفاهية نظرية، بل صار أحد أعمدة النقاش الأساسية، باعتباره المنقذ المحتمل من التراجع، والمُولّد الأكثر وعدًا لفرص العمل المستدامة، خصوصًا في المجتمعات العربية الشابة، التي يواجه شبابها يوميًا أسئلة من نوع: هل أجد وظيفة؟ هل ما أتعلمه اليوم سيفيدني غدًا؟ هل أملك مهارات المستقبل؟

في هذا السياق، يبدو لي أن المؤتمر سيتحوّل إلى ما يشبه الورشة الكبرى لصياغة مستقبل العمل العربي، لا سيما في ظل مشاركة واسعة من 21 دولة عربية، وممثلين عن الحكومات، وأصحاب الأعمال، والمنظمات النقابية.

والكل سيأتي بعقل مفتوح يبحث عن حلول غير تقليدية لمشكلات تقليدية طال أمدها: البطالة، ضعف الحماية الاجتماعية، التفاوت في الأجور، والفجوة المهارية التي تتسع بين الأجيال.

ومن المشاهد التي توقفت أمامها طويلًا، ذلك الإصرار المصري على أن يكون للمؤتمر طابع إنساني لا يقل عن كونه اقتصاديًا.

فقد تضمن جدول الأعمال فقرة مخصصة لدعم القضية الفلسطينية، وعقد ملتقى دولي للتضامن مع عمال وشعب فلسطين، ليُرسل المؤتمر من قلب القاهرة، رسالة واضحة إلى العالم بأن الكرامة العمالية لا يمكن أن تكون مكتملة في ظل احتلال، وأن العدالة لا تتجزأ.

ولم تغب الأزمة اللبنانية أيضًا عن وجدان المؤتمر، حيث طُرح مقترح لدعم منظمة العمل الدولية في استجابتها الطارئة لمساعدة لبنان، بالتعاون مع الحكومة اللبنانية.

وكأننا هنا لا نناقش فقط مفاهيم اقتصادية مجردة، بل نتعامل مع العمل كحق إنساني، لا يجب أن يُنسى حتى في أوقات الأزمات والكوارث.

في تقديري، هذا ما يميز مؤتمر هذا العام، أنه لن يكون مناسبة أكاديمية أو احتفالية، بل جلسة عصف ذهني حقيقية لعقل عربي واعٍ، يُدرك أن ما كان صالحًا بالأمس، لم يعد كافيًا اليوم. 

وقد صرح قال محمد جبران، وزير العمل، رئيس مجلس إدارة منظمة العمل العربية، بأن توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية واضحة وصريحة في هذا الشأن، والتي تتلخص في أن مصر مع كل عمل عربي مُشترك، يرفع الإنتاج، ويوفر فرص العمل، ويحقق التنمية، ويُرسخ ثقافة الحقوق والواجبات بين طرفي العملية الإنتاجية، ويصنع بيئة عمل لائقة، تكون أرضًا خصبة للتعاون والتكامل العربي المنشود، وتضرب مصر المثل الذي يُحتذى به في التشريعات والقرارات التي من شأنها تحقيق التوازن والعدالة بين صاحب العمل والعامل، وتوفير كافة أوجه الحماية والرعاية والدعم للعمال، وبذل كل الجهود وتوفير الإمكانيات لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في "جمهورية جديدة " ذات مناخ استثماري مُتميز، يشهد به العالم أجمع.

وأضاف السيد جبران أن مؤتمر العمل العربي سيناقش عقد الملتقى الدولي للتضامن مع عمال وشعب فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى على هامش أعمال الدورة (113) لمؤتمر العمل الدولي لعام 2025، والمقرر عقده بجنيف في شهر يونيو المقبل، موضحا أن هذا الملتقى يستهدف حث مكونات المجتمع الدولي على بذل مزيد من الجهود لإنهاء الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، والتعريف بحقيقة الأوضاع غير الإنسانية التي يمر بها عمال وشعب فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى، فضلا عن إدانة السلطات الإسرائيلية  في ممارستها التفرقة العنصرية وانتهاكها الحريات والحقوق النقابية وكذلك آثار الاستيطان الإسرائيلي على أوضاع العمال العرب في فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى.

ربما لا نملك ترف الانتظار، وربما لم تعد الشعارات تكفي. لكن ما يجعلني أشعر بالطمأنينة، أن هذا المؤتمر، وفي هذه الدورة تحديدًا، نقطة انطلاق نحو الفعل، لا الكلام.

فقد أصبح واضحًا أن التعاون العربي في ملف العمل لم يعد رفاهية، بل ضرورة. وأن المستقبل لن ينتظر من لا يتحرك.

لهذا أرى أن على كل دولة عربية أن تغتنم نتائج هذا المؤتمر، لا كمجرد توصيات تُعلّق على الجدران، بل كخطط عمل قابلة للقياس والتطبيق، وأن تتحول "العدالة في العمل" من عنوان جميل في مؤتمراتنا، إلى واقع ملموس في حياة الناس.

لقد كانت مصر، كعادتها، على قدر الحدث.. حاضنة للأمل، وراعية للحوار، ومُلهمة للطريق.

الصفحة الخامسة من العدد رقم 408 الصادر بتاريخ 17أبريل 2025
تم نسخ الرابط