«حماس أضاعت القضية.. ومصر منعت التهجير» .. كيف تكتب خطة ترامب نهاية قطاع غزة؟

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشيفية

- لماذا يجب أن توافق حماس على المبادرة الأمريكية؟.. وما سر دعم الدول العربية لسيد البيت الأبيض؟

- الخيار الوحيد المتاح.. إما الحفاظ على ما تبقى أو الدمار الكامل على يد "نيرون" الشرق الأوسط

- الموقف المصري الصامد يكتب نهاية التهجير ويؤكد بقاء الفلسطينيين على أرضهم 

لم يعد المشهد في غزة محصورًا في دمار البيوت وأصوات المدافع، بل تحوّل إلى معركة سياسية كبرى يترتب عليها مصير الشعب الفلسطيني والقضية بأكملها. 

وبينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمّرة، جاء طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطة شاملة لإنهاء الصراع ليشكّل منعطفًا حاسمًا، أثار جدلًا واسعًا بين مؤيد يرى فيها الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما تبقى، ومعارض يعتبرها مجرد غطاء لإعادة صياغة المشهد الفلسطيني بما يخدم مصالح قوى إقليمية ودولية. 

لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن الوضع الراهن لم يعد قابلًا للاستمرار، وأن غزة اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السير نحو التسوية، أو مواجهة دمار كامل قد يحوّل القطاع إلى أنقاض لسنوات طويلة.

لا يمكن فهم اللحظة الراهنة دون التوقف أمام الدور الذي لعبته حركة حماس بقيادة يحيى السنوار، فالحركة التي رفعت شعار المقاومة باعتباره الطريق الوحيد للتحرير، دفعت غزة إلى مواجهة عسكرية مفتوحة جعلت القطاع عنوانًا للأزمات الإنسانية المتتالية.

ومع طول أمد الحرب وتفاقم المعاناة، فقدت حماس الكثير من الدعم الشعبي العربي والدولي، بعدما بدا أن سياساتها لم تحقق مكاسب حقيقية، بل ضيّعت فرصًا عديدة كانت كفيلة بإنقاذ القضية الفلسطينية من حالة الاستنزاف.

لكن في المقابل، برز الموقف المصري الصامد كجدار دفاعي حقيقي ضد سيناريو التهجير، فالقاهرة رفضت بشكل قاطع أي خطط لدفع الفلسطينيين خارج أراضيهم نحو سيناء، وأكدت أن بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه خط أحمر.

هذا الموقف لم يحفظ الهوية الفلسطينية فقط، بل منع انهيارًا إستراتيجيًا كان سيغيّر خريطة المنطقة بالكامل.

الخطة التي أعلن عنها ترامب جاءت في عشرين بندًا، وتقوم على تحويل غزة إلى منطقة خالية من الإرهاب، وإعادة إعمارها عبر آليات دولية تشرف عليها لجنة تكنوقراطية فلسطينية بمساعدة خبراء عالميين.

الخطة لا تتوقف عند وقف الحرب وإعادة الأسرى فحسب، بل ترسم تصورًا شاملاً لإدارة غزة، بدءًا من إدخال المساعدات وإعادة بناء البنية التحتية، مرورًا بإنشاء منطقة اقتصادية خاصة تجذب الاستثمارات وتوفر فرص عمل، وصولًا إلى تشكيل “مجلس سلام” دولي يقوده ترامب نفسه بمشاركة قادة مثل توني بلير.

الأكثر إثارة في الخطة أنها تضع مستقبل غزة خارج سيطرة حماس بشكل كامل، إذ تشترط نزع سلاح الحركة والفصائل، وتدمير الأنفاق والبنية التحتية العسكرية، مقابل منح من يرغب من عناصرها ممرات آمنة لمغادرة القطاع أو عفوًا عامًا لمن يختار البقاء بشرط التخلي عن السلاح.

وهنا تكمن اللحظة الفاصلة: غزة الجديدة ستكون بلا سلاح، بلا أنفاق، وبلا حكم مباشر للفصائل.

البعض يرى أن قبول حماس بالخطة يعني نهايتها السياسية والعسكرية، لكن القراءة المتأنية تكشف أن الرفض يحمل عواقب أكثر كارثية، فالبنود تنص صراحة على أن المساعدات والإعمار ستتدفق حتى في المناطق “الخالية من الإرهاب” فقط، أي أن رفض حماس سيجعلها معزولة عن أي عملية إنقاذ لغزة، بينما يذهب الدعم الدولي مباشرة إلى مناطق أخرى تحت إشراف قوة استقرار دولية.

الدول العربية الكبرى، وعلى رأسها مصر والسعودية والإمارات والأردن، تدرك أن استمرار الفوضى في غزة يشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي؛ لذلك جاء دعمها الضمني للخطة باعتبارها المخرج الوحيد لوقف نزيف الدم وإعادة إعمار القطاع.

كما أن واشنطن ربطت بين تنفيذ البنود وبين أفق سياسي جديد يعترف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وهو ما قد يفتح الطريق لأول مرة منذ سنوات نحو مشروع دولة فلسطينية على أسس أكثر واقعية.

غزة اليوم أمام معادلة حاسمة لا تقبل المراوغة، فإما أن تقبل الفصائل وعلى رأسها حماس بتسوية سياسية تقود إلى إعادة الإعمار، وإما أن يواجه القطاع مصيرًا يشبه ما فعله نيرون بروما حين أحرقها بالكامل.

ترامب نفسه يدرك أن المجتمع الدولي لم يعد مستعدًا لمواصلة ضخ المساعدات دون أفق سياسي وأمني يضمن عدم تكرار الدورات السابقة من الحرب والدمار؛ ولذلك فإن الخطة وُصفت بأنها “الفرصة الأخيرة” قبل أن يبتلع الدمار ما تبقى من غزة.

وإذا كان البعض يرى أن الشروط قاسية، فإن الواقع على الأرض أشد قسوة: حصار خانق، دمار شامل، مئات الآلاف من الضحايا والمشرّدين، وانهيار كامل للبنية التحتية. القبول بخطة تعيد الحياة تدريجيًا يبقى أفضل من الإصرار على مسار المقاومة المسلحة التي أثبتت عجزها عن تحقيق إنجازات ملموسة.

من بين كل الأطراف الإقليمية، يبقى الموقف المصري الأكثر تماسكًا ووضوحًا، فالقاهرة لم تكتفِ برفض التهجير، بل شاركت في صياغة الضمانات المتعلقة بإدارة غزة ما بعد الحرب.

مشاركة مصر والأردن في تشكيل قوة استقرار دولية تعكس الدور المركزي لدول الجوار في تأمين الحدود ومنع دخول السلاح، بما يضمن أن غزة لا تعود مصدرًا للتهديد.

هذا الدور المصري يضع القضية الفلسطينية في إطارها الصحيح: الحفاظ على الأرض والهوية، ومنع تفريغ غزة من سكانها.

كما أن مصر تسعى للتأكد من أن أي تسوية لا تتحوّل إلى مجرد وصاية دولية دائمة، بل تكون مرحلة انتقالية تمهّد لإعادة إصلاح السلطة الفلسطينية ومنحها القدرة على استعادة دورها في القطاع.

ولا يمكن تجاهل أن الخطة تحمل أيضًا أبعادًا تتجاوز غزة، فهي رسالة أمريكية بأن واشنطن لا تزال اللاعب الأكبر في إدارة ملفات الشرق الأوسط، ورسالة إلى إسرائيل بأنها لن تستطيع فرض واقع الاحتلال الدائم دون ثمن سياسي.

وفي الوقت نفسه، هي محاولة لإعادة ترميم العلاقة الأمريكية مع العواصم العربية التي ضاقت ذرعًا باستمرار الحرب.

الدول الأوروبية رحّبت بحذر، معتبرة أن أي مبادرة توقف نزيف الدم خطوة إيجابية، لكن يبقى نجاحها مرهونًا بمدى التزام الأطراف بتطبيق البنود على الأرض، وهو ما يتطلب إرادة دولية قوية لا تقل عن حجم الخراب الذي أصاب غزة.

والأهم أن الخطة لا تغلق الباب أمام تطلعات الشعب الفلسطيني، بل تضع لأول مرة منذ سنوات تصورًا يمكن أن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية إذا التزمت السلطة بالإصلاحات الجادة.

وهنا يظهر سؤال أكبر: هل يتحول قطاع غزة من بؤرة صراع إلى منصة انطلاق نحو تسوية أوسع تشمل الضفة الغربية والقدس أم أن الانقسامات الداخلية ستُفشل هذه الفرصة كما أُفشلت فرص كثيرة من قبل؟

المؤكد أن القرار الآن بيد الفلسطينيين أنفسهم، فإذا أدركت حماس والفصائل أن اللعبة تغيّرت وأن العالم لم يعد يقبل استمرار الوضع الراهن، فقد يشهد الشرق الأوسط تحولًا تاريخيًا يفتح بابًا جديدًا أمام السلام.

يقف الفلسطينيون اليوم أمام مفترق طرق تاريخي: إما استيعاب دروس الماضي واغتنام الفرصة لإعادة بناء وطن مدمّر، أو التمسك بخيارات أثبتت التجربة أنها تقود إلى طريق مسدود، وبينما تؤكد مصر والدول العربية أن التهجير لن يكون بديلًا، تبقى الكرة في ملعب حماس والفصائل: إما أن توافق على خطة قد تفتح باب الأمل، أو تستمر في مسار يقود غزة إلى الفناء.

الصفحة السابعة من العدد رقم 430 الصادر بتاريخ  2 أكتوبر 2025
تم نسخ الرابط