من ٢٣ يوليو إلى ٣٠ يونيو.. "كلمة السر" الجيش المصري

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشيفية

- لماذا كانت ثورة ٢٣ يوليو واجبة؟ وكيف تحققت الإنجازات الكبرى على يد الزعيم؟

- تحية إلى كل جندي حمل البندقية وآمن بأن الوطن يستحق التضحية

في فجرٍ من فجر الله، وفي لحظةٍ كان الوطن يتخبّط فيها بين الاستعمار والفساد والتبعية، انبعث من قلب الجيش صوتٌ جديد، صوتُ أملٍ وكرامة، صوتٌ قال "كفاية"، فكانت ثورة 23 يوليو 1952.

الثورة لم تكن ترفًا سياسيًا، ولا انقلابًا عسكريًا كما حاول البعض تصويرها، بل كانت استجابة حتمية لحالة الانسحاق التي عاشها المصريون لقرون.

بلد محتل، ملك فاقد الشرعية، إقطاعيون يتحكمون في الرقاب، وفجوة ساحقة بين فقراء جائعين وطبقة مترفة لا تعبأ بشيء.

كانت مصر تحتاج إلى من يُنقذها، من ينتشلها من قاع الانكسار إلى أفق التحرر.. وكانت الثورة واجبة؛ لأنها أعادت للمصريين إحساسهم بأنهم أصحاب الأرض، وأنه من حقهم الحلم.

كلنا جيش

قبل يوليو، كان الجيش المصري أداة بيد الملك والاستعمار، مغلولًا بقيود السياسة والولاء للعرش، مهمّشًا، غير مسموح له حتى بحماية حدوده.

لكنه كان يضم في داخله نارًا تحت الرماد، ونبضًا وطنيًا لم ينطفئ.

بثورة 23 يوليو، استعاد الجيش هيبته ووطنيته.

لم يعد تابعًا، بل صار صاحب قرار.

وللمرة الأولى منذ قرون، أصبح للمصريين جيش يعبر عنهم، ويحميهم، ويخوض معاركهم بكرامة.

تحوّل الجيش من مؤسسة مغلقة إلى رمز لكل بيت مصري.

الكل أصبح يرى في نفسه جنديًا، يحمي تراب بلاده، ويذود عن شرفها.

وُلدت علاقة جديدة بين الجيش والشعب.. علاقة الدم والمصير الواحد.

أسرار الحركة

لم تكن الحركة عشوائية ولا مجرد مغامرة، بل كانت ثمرة تخطيط لسنوات طويلة.

منذ الهزيمة في حرب فلسطين عام 1948، أدرك الضباط الوطنيون أن الدولة تُدار من قصور الفساد، وأن الوقت قد حان لتطهير البلاد.

تجمّعوا سرًا، واختاروا قائدهم بحكمة، وكانت لحظة التحرك مدروسة بدقة، حيث تم إعلان البيان الأول باسم اللواء محمد نجيب، لتأمين الشرعية الشعبية.

أما عن الحنين لأيام "ما قبل الثورة"، فهو حنينٌ مزيف، لا يعرف التاريخ ولا يقدّر كرامة الوطن.

أولئك الذين يحنّون للعصر الملكي ينسون كيف كانت مصر مستعمرة، وكيف كان الفلاح عبدًا في أرضه، والعامل مسحوقًا بلا أجر، والتعليم حكرًا على أبناء الباشوات.

الثورة لم تكن ضد أشخاص.. كانت ضد نظام كامل من الاستعباد والاستغلال.

في عشق الزعيم 

كان عبد الناصر تجسيدًا لحلم البسطاء، صوتًا لمن لا صوت لهم، ووجهًا لوطنٍ قرر أن ينهض.

سر حب الناس له لم يكن فقط في خطبه ولا كاريزمته، بل لأنه عاش من أجلهم.

لم يرث الحكم ولا اشتراه.. بل خرج من صفوف الجيش ليقود أمّة.

على يد عبد الناصر، تحققت إنجازات هائلة:

• الإصلاح الزراعي: لأول مرة في تاريخ مصر، الفلاح يمتلك أرضه.

• تأميم قناة السويس: كرامة وطنية واقتصادية أعادت للمصريين سيادتهم.

• السد العالي: مشروع القرن الذي نقل مصر من الزراعة البدائية إلى التحكم في مياه النيل وتوليد الكهرباء.

•  مجانية التعليم: جعلت من ابن العامل والطبيب سواء في الحلم والطموح.

صاحب ذلك حركة تضامن عربي غير مسبوقة، ومواقف دولية جعلت من مصر لاعبًا عالميًا يحسب له ألف حساب.

دور الإخوان

منذ اللحظة الأولى، لم تكن جماعة الإخوان راضية عن الثورة، رغم أنهم رحبوا بها ظاهريًا في البداية.

أرادوا اختطافها، وفرض وصايتهم على القرار الوطني، وهو ما رفضه عبد الناصر.

حين فشلت محاولاتهم، لجأوا للمؤامرة.

كانت محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية عام 1954 لحظة فاصلة.

أرادوا قتل الحلم وقتل الزعيم، لكن الرصاصة لم تصب إلا ثقتهم أمام الشعب.

لاحقًا، واصلوا الحرب من الخارج، وتعاونوا مع أطراف أجنبية، ودعموا الإرهاب في الداخل.

مع كل مشروع وطني كانت الجماعة في الكواليس تحاول إفشاله، من العدوان الثلاثي، إلى بناء المصانع، حتى تمويل التمردات.

عداؤهم للثورة لم يكن عداءً سياسيًا.. بل عداء للمشروع الوطني نفسه، عداء لكرامة المصري التي رفضت أن تُباع في سوق السياسة أو تُدار من الخارج.

"كلمة السر" الجيش المصري

الجيش المصري هو العامل المشترك بين المحطتين: الثورة والتحرير.

ففي 23 يوليو، حرر الوطن من التبعية والفساد.. وفي 30 يونيو، أنقذ الدولة من السقوط والفوضى.

في كلتا الحالتين، لم يكن الجيش قوة قمع، بل قوة إنقاذ.

استجاب لنداء الشعب، وواجه المؤامرات، ودفع من دماء أبنائه ثمن الاستقرار.

ما بين جمال عبد الناصر وعبد الفتاح السيسي، خيط رفيع من الوطنية الخالصة.

لم يكن الغرض سلطة، بل إنقاذ وطن.

فالجيش المصري ظل، على مدار تاريخه، هو السند الحقيقي للشعب، وهو من يفصل دائمًا بين الانكسار والنجاة، وبين الهزيمة والانتصار.

إجمالًا أقول:

إن ثورة 23 يوليو لم تكن لحظة وانتهت، بل كانت بداية مسار طويل ما زلنا نسير فيه.

هي ثورة من أجل الفقراء، من أجل الأرض والكرامة، من أجل أمة أرادت أن تنهض من تحت الركام.

وإذا كان التاريخ يعيد نفسه، فإن الدروس باقية، والمبادئ لا تموت.

واليوم، ونحن نسترجع ذكراها، لا نحتفل بحدث ماضٍ، بل نجدد العهد على أن مصر ستظل دائمًا حرّة، مستقلة، وصامدة في وجه كل من يحاول أن يطأ كرامتها.

تحية إلى جمال عبد الناصر، إلى الضباط الأحرار، إلى كل جندي حمل البندقية، وإلى كل مصري آمن بأن الوطن يستحق التضحية.

الصفحة الثانية من العدد رقم 421 الصادر بتاريخ 24 يوليو 2025
تم نسخ الرابط